“مقالات“| شبوة: المحافظة التي تُدار بعقود الوصاية وصراعات الوكلاء..!

4٬793

أبين اليوم – خاص 

لم تعد شبوة محافظة يمنية تُدار من داخلها أو حتى من عدن، بل باتت تمثل واحدة من أبرز ساحات تصفية النفوذ الإقليمي بين السعودية والإمارات.

كل طرف يدير أدواته المحلية بعناية، وفق ترتيبات غير معلنة، تُبرم في غرف مغلقة وتُنفّذ على الأرض بوجوه وقوى محلية، بينما الغاية الحقيقية ليست سيادة الدولة، بل ضمان استمرار الهيمنة على ثروات المحافظة وموقعها الاستراتيجي.

تتكرر كل ثلاث سنوات ذات المسرحية: انتقال النفوذ من دولة إلى أخرى تحت لافتة “إعادة الترتيب”. وقبل كل مرحلة تسليم واستلام، تندلع مناوشات محدودة بين الأدوات المحلية، تُقدَّم للرأي العام كصراعات مشروعة على السلطة، بينما حقيقتها لا تتعدى كونها تغطية شكلية لصفقات تمت مسبقاً خلف الأبواب المغلقة، لتمنح مشروعية زائفة لنتائج محسومة سلفاً.

اليوم، تعيد السعودية نشر قواتها في شبوة، بدفع تعزيزات جديدة إلى قلب المحافظة، في مؤشر على بداية دورة نفوذ جديدة بعد فترة من السيطرة الإماراتية.

هذه التحركات ليست عسكرية فحسب، بل سياسية بامتياز، هدفها إعادة ترتيب السلطة المحلية بما ينسجم مع مصالح الرياض، وضمان أن يكون الشريك المحلي أكثر طواعية وانضباطاً.

وفي هذا السياق، تبرز حالة قطاع “عارين العسكري” كمثال فاضح على ازدواجية المعايير والتواطؤ السعودي الاماراتي. فالقوات المتمركزة هناك، والتي كانت تُحسب سابقاً على النفوذ السعودي وأُخرجت من مركز المحافظة خلال التحولات الأخيرة، لا تزال باقية، مدعومة، ومُعترف بها كممثل رسمي للوحدات التابعة لوزارتي الدفاع والداخلية.

هذا البقاء بحد ذاته، واستمرار الدعم والرعاية المؤسسية لها، يكشف زيف الادعاءات عن إعادة ترتيب حقيقية أو نوايا صادقة لبناء مؤسسات موحدة. فلو كانت السعودية والإمارات جادتين في إنهاء حالة الانقسام، لما سمحتا ببقاء هذه التشكيلات التي تعكس صراعاً قديماً بوجه جديد.

هذا التوازي المتعمد في البنية العسكرية ليس خللاً عارضاً، بل جزء من بنية التلاعب الكبرى، حيث لا يُسمح لأي قوة وطنية مستقلة أن تنمو خارج مظلة الوصاية. كل طرف إقليمي يحتفظ بأوراق ضغطه، وأدواته المسلحة، لتبقى شبوة رهينة لمعادلة “التوازن المُدار” لا “السيادة الوطنية”.

إن استمرار هذا النموذج في شبوة يُعمّق الانقسام، ويغتال أي أمل في بناء مؤسسة أمنية أو عسكرية وطنية. والنتيجة أن المحافظة تُدار بعقلية المقاولة السياسية. أدوات محلية تتصارع على فتات النفوذ، بينما تُنهب الثروات وتُدار الملفات السيادية من عواصم القرار الخارجي.

إن السؤال لم يعد متى تنتهي الحرب، بل متى يستعيد اليمنيون حقهم في إدارة شؤونهم بعيداً عن سطوة الممول ووصاية الشريك الإقليمي؟ ومتى تتحرر شبوة من كونها “منطقة امتياز” تُتناوب عليها القوى الخارجية وفق مواعيد غير معلنة، وأجندات لا علاقة لها بمصالح الناس ولا بمستقبل الدولة؟

بقلم: سالم عوض الربيزي

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com