“تقرير“| المحافظات الجنوبية: فساد الكهرباء في عدن.. ثقب أسود يبتلع المليارات..!

6٬889

أبين اليوم – خاص

تقرير/ عبده بغيل:

من قلب المحافظات الجنوبية والشرقية تتكشف فصول كارثة إنسانية ومالية غير مسبوقة، عنوانها الأبرز “كهرباء عدن”. فمع كل وميض أمل يتبدد، ومع كل ساعة ظلام تضاف إلى ليالي المواطنين، تتضح معالم جريمة فساد منظمة استنزفت خزائن الدولة بمليارات الدولارات، لتُلقي بظلالها القاتمة على حياة شعب بات يعيش على هامش النور.

تقرير استقصائي صادم يكشف كيف ابتلع قطاع الكهرباء في عدن أكثر من 2 مليار دولار حتى يونيو 2025، في دوامة من الصفقات المشبوهة والإنفاق المفرط، دون أن يرى المواطن أي بصيص أمل في تحسن الخدمة.

صفقات الفساد: محطات عاطلة وسفن عائمة تنهب الثروات:

كشف تحقيق صحفي استقصائي، أجراه مركز “سوث24” خلال الفترة من ديسمبر 2024 إلى يونيو 2025، عن تورط مسؤولين رفيعي المستوى وجهات نافذة من حكومة الشرعية في صفقات مشبوهة، شملت محطات إنتاج، وسفنًا عائمة، ومناقصات وقود. هذه الصفقات، التي تمت بعيدًا عن أي رقابة أو شفافية، لم تسفر إلا عن استمرار تدهور الخدمة وغياب أي أثر فعلي لهذا الإنفاق الفلكي على حياة المواطنين في المحافظات المنكوبة.

تبرز صفقة إعادة تأهيل محطة الحسوة كنموذج صارخ للفساد المستشري، فقد مُنح عقد بقيمة تجاوزت 31 مليون دولار لشركة أوكرانية مجهولة تدعى “بد سيرفس”، في تحدٍ صارخ لكل القوانين والأعراف. لم تجرِ مناقصة عامة، ولم تقدم الشركة أي إثباتات قانونية، بل تجاوزت المخالفات إلى صرف دفعات مقدمة بنسبة 37% دون أي ضمانات، واستبدال المعدات الأصلية بأخرى مستخدمة، مما أدى إلى تراجع القدرة الإنتاجية للمحطة بنسبة تجاوزت 30%، وهدر ما يزيد عن 129 مليون دولار سنويًا في الوقود، في جريمة اقتصادية لا تغتفر.

ولم تكن صفقة سفينة الكهرباء العائمة بأقل فداحة. فقد تم التعاقد بشأنها مع شركة “برايزم إنتر برايس” بقيمة تفوق 30 مليون دولار، خارج إطار القانون ودون أي منافسة حقيقية. هذه الصفقة تسببت في خسائر إضافية تجاوزت 107 ملايين دولار سنويًا نتيجة لتأخر التنفيذ واللجوء إلى التوليد بالوقود باهظ التكلفة، دون أن تتعرض الشركة لأي غرامات تأخير أو مساءلة قانونية، في دليل واضح على الحماية التي يتمتع بها المتورطون.

هدر الوقود: ملايين الدولارات تتبخر في صفقات الظلام:

في ملف الوقود، كشف التحقيق عن أرقام صادمة. ففي عام 2022 وحده، بلغت عقود التوريد نحو 285 مليون دولار، نُفذ معظمها بعيدًا عن أي رقابة، وذهبت مبالغ طائلة منها إلى تحديثات غير ضرورية داخل مصفاة عدن، أو في استئجار سفن نقل.

وقد أكدت لجنة المناقصات السابقة في مذكرة استقالتها أن اعتماد الحكومة على الشراء الطارئ بدلًا من المناقصات الدورية تسبب في إهدار ملايين الدولارات شهريًا، في استنزاف ممنهج للمال العام.

وأوضح التحقيق أن هذه التجاوزات أسفرت عن تضخم هائل في الأعباء المالية على الخزينة العامة، بسبب الغياب المتعمد للرقابة الصارمة على تنفيذ العقود، وتهميش مبدأ المنافسة العادلة بين الشركات.

وسلط الضوء على عقود شركة مصافي عدن مع شركة صينية مجهولة الهوية، أُنفقت بموجبها 180.5 مليون دولار على مشاريع تحديث داخل المصفاة، رغم عدم وجود حاجة فعلية لها، وفقًا لتأكيدات فريق المراجعة التابع للجهاز الرقابي.
وعود كاذبة وواقع مرير: شعب يرزح تحت وطأة الفساد

على الرغم من تشكيل لجنة جديدة لشراء الوقود في عام 2024، وزعم “حكومة الشرعية” أنها وفرت شهريًا نحو 19.8 مليون دولار، إلا أن هذه “الوفورات” لم تُترجم إلى أي تحسن ملموس في خدمة الكهرباء. بل على العكس، فإن قطاع الكهرباء في عدن “يخضع لمنظومة فساد ممنهجة، حيث يجري تغييب المؤسسات الرقابية عمدًا، وتُمنح العقود لمجموعات مقربة من دوائر القرار”. لا توجد إرادة سياسية حقيقية لمحاربة هذا الفساد، وجميع التقارير الرقابية تظل حبيسة الأدراج، في ظل حماية الفاسدين بقانون الحصانة الذي يحصنهم من أي مساءلة.

وأورد التحقيق وثائق رسمية تفيد بأن التعاقدات المخالفة شملت إعفاءات جمركية ودفعات مباشرة، وحرمان الدولة من ضمانات قانونية كانت كفيلة بتقليص الخسائر. لكن ذلك لم يحدث، واستمر مسلسل تراجع قدرات المنظومة الوطنية للكهرباء لصالح الشركات الاستثمارية الخاصة التي تعتمد على محطات وسفن مستأجرة في البحر. هذا الواقع المرير جعل عدن تعيش أزمة خانقة، حيث ينقطع التيار الكهربائي لأكثر من 20 ساعة يوميًا، في عذاب مستمر للمواطنين.

فجوة الظلام: أرقام تكشف حجم الكارثة:

وفقًا للتقديرات، فإن إجمالي الطاقة المتوفرة في عدن لا يتجاوز 410 ميجاوات، في حين أن الاحتياج الفعلي يتعدى 600 ميجاوات يوميًا، مما يكرّس فجوة تشغيلية عميقة تُفاقم من الانقطاعات المتكررة. وتبلغ تكلفة تشغيل الخدمة شهريًا نحو 55 مليون دولار، بينما تعجز الإيرادات العامة عن تغطية تشغيلها حتى لـ 36 ساعة فقط، في مفارقة مأساوية تكشف حجم الهدر والفساد.

إن أزمة كهرباء عدن، التي تفاقمت خلال السنوات الماضية ولا تزال تتفاقم يومًا بعد يوم، أصبحت مرآة تعكس بوضوح حجم فساد الحكومة التي حوّلت ملف أزمة الكهرباء إلى ثقب أسود يلتهم غالبية التمويلات الخارجية والموارد الداخلية. إنها دعوة عاجلة للمحاسبة والعدالة، لوقف هذا النزيف الذي يهدد مستقبل المحافظات المحتلة ويغرق المواطن في ظلام الفساد.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com