ما بعد اللقاء اليمني الروسي الأخير في موسكو ليس كما قبله..“تقرير“..!

5٬688

أبين اليوم – تقارير

تقرير/ ابراهيم الوادعي:

بخلاف الزيارات الأربع ما بين الاعوام 2016م و 2019م للوفد الوطني الى العاصمة الروسية موسكو ولقاء محمد عبد السلام المسئولين الروس، اتخذت زيارته الأخيرة خلال اغسطس الحالي منحى آخر واكتسبت أهمية كبرى في ضوء المتغيرات الدولية وتحولات الميدان اليمني.

الولايات المتحدة التي تقود العدوان على اليمن منذ ثماني سنين ساورها قلق كبير مع حصول الزيارة وارسلت مبعوثها الى اليمن تيم ليندركينغ والذي جال على عدد من دول المنطقة في اطار مسعى امريكي لتثبيت الهدنة وتوسيعها نزولا عند شروط صنعاء، خاصة مع حديث عبد السلام في مقابلة مع قناة الميادين على هامش زيارته الى موسكو عن هدنة أخيرة واتجاه لعدم التجديد حال لم توافق دول تحالف العدوان على توسيع وجهات مطار صنعاء وفتح ميناء الحديدة بشكل سلس أمام سفن الوقود وصرف الرواتب..

ومنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا تسعى الادارة الامريكي لإبقاء الملف اليمني معلقاً وابقاء الحصار قائماً مع توقف للعمليات القتالية لحين انجلاء نتائج الصدام مع روسيا وربما الصين في وقت لاحق.

بحسب معلومات فإن صنعاء هي من تلقت الدعوة للزيارة هذه المرة، وتؤكد هذه المعلومات بان الدعوة وصلت قبيل اسبوعين من تحقق الزيارة، في الزيارات ما بين العام 2016م و 2019م كانت صنعاء هي صاحبة الطلب، كان جهدها منصباً لعرض مظلوميتها على الدول خارج المعسكر الغربي ممن تمتلك مقعد في مجلس الأمن بغية استمالتها لصالح قضية الشعب اليمني بحكم مقعدها في مجلس الأمن..

لكن المصالح التي تربط هذه الدول ظلت اكبر من ان تحركها إيجاباً لصالح قضية الشعب اليمني ومواجهة الولايات المتحدة الامريكية، فظل القرار 2216م والذي يشرعن للعدوان على اليمن يجدد كل عام دون ان يلقى اعتراضاً من احد داخل مجلس الأمن.

ويبقى السؤال: لماذا أتى اللقاء بدعوة روسية هذه المرة؟

والإجابة تكمن بإستعادة المشهد اليمني منذ اخر زيارة لعبد السلام الى موسكو اذ وقعت تغييرات جوهرية في الميدان اليمني ،في فبراير 2020م نجحت صنعاء في إستعادة زخم الهجوم وقلب طاولة الميدان لصالحها، وتمكنت قوات الجيش واللجان الشعبية ان تؤمن العاصمة صنعاء وان تزيل التهديد عنها بشكل تام..

ومع توالي العمليات العسكرية ”البنيان المرصوص” “نصر من الله” والعمليات العسكرية في البيضاء، كان واضحاً ان العاصمة صنعاء اضحت هدفاً بعيد المنال بالنسبة الى قوات التحالف السعودي الامريكي، واستكمل هذا التحول الاستراتيجي باجبار تحالف العدوان على ترك الساحل الغربي اخر بؤر التهديد ضد المناطق الحرة او معظم الساحل الغربي للدقة دون قتال ، ضمن عمليات إعادة انتشار للدفاع عن اخر معاقل التحالف في مأرب شرق اليمن..

وبنتيجة هذه المتغيرات توسعت رقعة سيطرة الجيش واللجان الشعبية وارتفعت مساحة المناطق المحررة أضعاف ماكانت عليه في العام 2019م.

الأمر الآخر.. أدركت موسكو في وقت متأخر ان عفاش كان ورقة رهان خاسرة بالنسبة للروس، مع ظهوره رجل الولايات المتحدة الامريكية والتحالف في داخل جبهة الصمود الوطنية بامتياز، والرجل قتل في أول مهمة عسكرية أوكلت إليه من قبل التحالف السعودي الامريكي مطلع ديسمبر 2017م.

إقليمياً.. انكشف لموسكو ان الرهان على تغليب المصالح مع السعودية والامارات ودول الخليج ليس بالرهان المضمون ايضا ، فيعد اشهر من اندلاع القتال في اوكرانيا تململت هذه الدول بشأن حياديتها في الصراع بين روسيا وامريكا ، ووصلت بانتاجها النفطي الى اقصى مستوياته 13 مليون برميل وهو الرقم المعلن حتى الآن.

دولياً.. اتت المواجهة العسكرية المباشرة مع الولايات المتحدة الامريكية واوروبا على الارض الاوكرانية لتدق ناقوس الخطر لدى روسيا ، وانها تأخرت في التعامل مع الملف اليمني الذي ظهرت حيويته مع إحتمال توسع المواجهة مع الغرب الى البحار.

خلال يوليو الماضي أعلنت روسيا عن العقيدة البحرية لقواتها، وفي اهم ركائز تلك العقيدة استعادة نقاط سمتها نقاط ارتكاز فنية في البحر الأحمر، ما يعني وجود قلق روسي من احتمال قيام الولايات المتحدة بإغلاق البحار وممرات التجارة الدولية بوجه سفنها.

كان للاتحاد السوفيتي سابقاً قواعد عسكرية بالقرب من مضيق باب المندب ،على جزيرة دهلك، ورثتها ”اسرائيل” التي تمتلك الآن قاعدة بحرية وجوية على الجزيرة وفي جزيرة فاطمة المجاورتان لباب المندب..

كما أنشئت حليفتها الإمارات قواعد عسكرية في ميون على باب المندب وعصب على الساحل الشرقي للبحر الأحمر، وقواعد عسكرية في سقطرى على مفترق الطرق البحرية التجارية باتجاه البحر الأحمر وقناة السويس وطريق راس الرجاء الصالح، بالاضافة الى وجود قاعدة فرنسية في جيبوتي وانتشار القطع العسكرية الأمريكية في خليج عدن والبحر الاحمر تحت مزاعم حصار صنعاء..

وفي موازاة ذلك تمتلك الصين قاعدة عسكرية يتيمة في جيبوتي، وحالياً تنتشر مليشيات عسكرية تابعة لطارق صالح على الضفة الغربية للبحر الأحمر وجيشها تابع للمعسكر الامريكي حال توسع الصراع مع روسيا الى البحار الدولية.

وفي ضوء هذه المتغيرات أدركت موسكو انها اخطأت جدا في تأخرها بالوثوق في انصار الله كحليف.. كون الطرفين يتشاركان العداء للسياسة والهيمنة الامريكية على العالم، روسيا ساهمت بشكل أو بآخر في تشديد الخناق الاقتصادي على الشعب اليمني ولم تتعلم من خطأها في ليبيا، نتيجة صمتها وموافقتها على تمرير مشاريع قرارات تشرعن الحرب وتزيد من معاناة الشعب اليمني الانسانية.

وفي هذا السياق يقول الدكتور عبدالملك عيسى استاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة صنعاء أن روسيا أدركت متأخرة أهمية الملف اليمني في حربها في امريكا، و توجهها إلى انصار الله ياتي وقد أصبح المشرط الامريكي على رقبتها بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، وهي الآن في سباق عملي مع الوقت لمعالجة هذا الخطأ.

وحول أهمية التحالف الروسي اليمني يرى عيسى ان كون صنعاء وموسكو تخوضان حرباً ضد الولايات المتحدة فتح باباً لتقاطع المصالح.

ويرى ان زيارة عبد السلام لموسكو سيفتح الباب امام اليمن للحصول على اسلحة كاسرة للتوازن ، وموقف روسي قوي في مجلس الأمن يعطل ويلغي قرارات شرعنة العدوان على اليمن وهذا برأيه كاف لليمن، التي يمكنها ان تعطل أي خطوة امريكية لتحويل البحر الأحمر الى بحيرة غربية او صهيونية، وهذا الأمر صرح به رئيس حكومة الانقاذ الوطني.

أيام فصلت عقب لقاء عبد السلام رئيس الوفد الوطني ميخائيل بوغدانوف مبعوث الرئيس الروسي الى الشرق الأوسط ونائب وزير الخارجية الروسي، حيث أطل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليعلن عن استعداد موسكو تزويد حلفائها بما يريدون من السلاح، وقال في خطاب بمناسبة يوم الجيش الروسي ان لموسكو حلفاء يناهضون الهيمنة الامريكية في قارات العالم المختلفة.

خطاب الرئيس الروسي ينعي بشكل واضح استاتيكوا – وضعا – ظل قائماً منذ الحرب العالمية وبعد ماعرف بأزمة الصواريخ الكوبية، بعدم كسر التوازنات الدولية التي وجدت في بعض أنحاء العالم، ومنها منطقة الشرق الاوسط من قبل الدول الكبرى، حيث احجم الروس عن تزويد سوريا وايران ومصر باسلحة تكسر التوازن القائم مع كيان العدو الصهيوني.

ووفقاً لخبراء عسكريين فإن صنعاء قد تكون في حاجة الى الأنظمة الروسية المضادة للطيران لكسر آخر أوراق تفوق التحالف السعودي الامريكي في اليمن.

لا تخفي صنعاء أنها تعمل على تطوير انظمة دفاع جوي خاصة بها ، سجلت حتى الآن نجاحاً ملحوظاً في إسقاط المسيرات الأمريكية والصينية والتركية، وفي حالة وحيدة اسقطت طائرة تورنيدو بريطانية الصنع فوق سماء الجوف.

اللقاء اليمني الروسي الأخير خلال زيارة عبدالسلام لموسكو مطلع اغسطس 2022م شكلّ نقطة تحول لضرب الهيمنة الامريكية على العالم:

ويذهب متابعون للملف اليمني الى ان التقارب بين صنعاء وموسكو قد يدفع واشنطن الى مزيد من تخفيف العراقيل التي اصطنعتها في طريق الهدنة الانسانية العسكرية، كما يدفع صنعاء بالمقابل إلى مزيد من التصلب إزاء التلاعب الذي مارسه التحالف السعودي الامريكي خلال الهدنتين الأولى والثانية، والضغط بشكل أكبر لإنهاء الحصار المفروض على شعبها حيث يتوسع حلفها من طهران الى موسكو وكلاهما دولتان تملكان ثقلاً دولياً وإقليمياً وتشتركان مع صنعاء في مناهضة الهيمنة الأمريكية على دول العالم.

حصول تعاون روسي يمني ، اضحت مؤشراته قائمة فعبد السلام من موسكو أعلن صراحة تهديد صنعاء للشركات النفطية الأجنبية العاملة في الحقول النفطية دون اذن صنعاء بالقصف وكذا الشركات الناقلة، ما يعني حكما نسف الجهود الامريكية والفرنسية لاستعاضة مصادر الطاقة النفطية والغازية الروسية بسرقة النفط والغاز اليمني لتأمين بعض الاحتياج الأوربي، وازدادت اهمية النفط والغاز اليمني مع فشل جولة بايدن الى المنطقة لزيادة ضخ النفط الخليجي الذي وصل الى ذروته ،وفشل عقد صفقة ألمانية لاستيراد الغاز القطري.

لسنوات وفرت صنعاء صواريخها لضرب منابع النفط السعودية والامارتية الدسمة التي تنتج ملايين براميل النفط يومياً لتعطيلها بما يلفت نظر العالم نحو القضية اليمنية، رغم استمرار النهب من الحقول اليمنية لكنه ضئيل بما تنتجه الحقول السعودية والاماراتية.

وفقاً لخبراء نفطيين فإن تحالف العدوان ينهب يومياً مامجموعه 60 الف برميل من النفط الخام ، وهو ما قام بتشغيل مايقرب من خمسة قطاعات نفطية في حضرموت وشبوة بالاضافة الى قطاع 18 في مأرب النفطي والغازي ، وهو يأمل في استعادة تصدير الغاز لسد بعض من حاجة الأوروبيين ومحاولة خنق روسيا اقتصادياً.

من شأن التعاون اليمني الروسي خلق ازمة طاقة عالمية لا يمكن للولايات المتحدة وحلفائها تحملها ولو لوقت قصير ، وفي هذا السياق وتقاطع المصالح كان لافتاً تأكيد عبد السلام على المدية اليمنية مقابل روسيا اذ لا يمكن للاخيرة ان تحقق أثراً كبيراً في ساحة الطاقة الدولية دون وجود اليمن وحليف موثوق يتمثل بانصار الله وحكومة الانقاذ الوطني ، في مقابل حضور صوت صنعاء في داخل مجلس الامن عبر المقعد الروسي وهو صوت غيبته الإدارة الامريكية والرياض قسرا لسنوات.

الايام مفتوحة على تغييرات جوهرية في المعادلة الدولية شكلت فيها اللقاء اليمني الروسي الأخير خلال زيارة عبد السلام لموسكو مطلع اغسطس 2022م نقطة تحول لضرب الهيمنة الامريكية على العالم سبقه تعزيز موسكو وطهران تعاونهما في شتى المجالات رغما عن العقوبات الامريكية – بلغت الاتفاقيات الاخيرة بين ايران وروسيا 140 مليار دولار – والاستفزاز الامريكي للصين مؤشر على عمق الازمة الأمريكية نتيجة تقارب وتحالف الدول المناهضة لها، حيث لم يبق أمام الدولة العظمى في العالم سوى تفجير اكثر من مكان توتر في العالم ، او التسليم بتعدد الاقطاب الدوليين وحكما إنهاء هيمنتها وولادة دول إقليمية فاعلة اليمن سيكون احدها بل أهمها بموقعه الاستراتيجي على اهم طرق ومضائق التجارة الدولية..

وبما امتلكه من صناعة عسكرية وقيادة تمتلك استقلالاً ونهجاً واضحا لاستعادة اليمن مكانته التي حكى عنها القرآن وثبتها كحقيقة ستعود متى وجدت القياد الصادقة لشعب ذو قوة وبأس شديد.

المصدر: المساء برس