“تقرير“| هل قصف اليمن هو تذكرة بريطانيا للوصول إلى اتفاق تجاري مع إدارة ترامب..!
أبين اليوم – تقارير
يثير إعلان بريطانيا عن تنفيذ ضربات عسكرية مشتركة مع الولايات المتحدة ضد اليمن، هذا الأسبوع، تساؤلات حول حقيقة دوافع المملكة المتحدة للإقدام على هذه الخطوة، حيث لم يقدم الإعلان البريطاني الرسمي إطاراً استراتيجياً واضحاً يبرر الضربات، الأمر الذي رجح التقديرات بأنها محاولة بريطانية للتوصل إلى صفقة تجارية مع إدارة ترامب التي تشن حرباً اقتصادية ضد كل شركائها الاقتصاديين.
– مشاركة في العمليات بدون اشتراك حقيقي في المصالح:
في البيان الرسمي حول الضربات على اليمن، قالت بريطانيا إن “هذا الإجراء يأتي تماشياً مع السياسة الراسخة للحكومة البريطانية، عقب شن الحوثيين هجماتهم في نوفمبر 2023، في البحر الأحمر”، ولم توضح ماهية هذه “السياسة الراسخة”.
وفي خطابه أمام البرلمان قال وزير الدفاع البريطاني، جون هيلي، إن الضربات تأتي لحماية الاقتصاد البريطاني الذي تضرر بسبب تحويل مسارات السفن البريطانية بعيداً عن البحر الأحمر، لكنه ركز بشكل أكبر على هدف “دعم الولايات المتحدة في استعادة حرية الملاحة”، حسب تعبيره.
لقد توقفت هجمات قوات صنعاء على السفن البريطانية منذ وقف إطلاق النار في غزة، ولم تعد بحاجة إلى تحويل مسارها، أما الحديث عن دعم الولايات المتحدة، فليس مبرراً مقنعاً للمشاركة فجأة في حرب تقول الولايات المتحدة نفسها إن هدفها الرئيسي هو حماية مصالح واشنطن ووقف الهجمات على السفن التجارية والحربية التابعة لها، خصوصاً وأن هذه الحرب قد بدأت قبل شهر ونصف، وبالتالي فإن الحكومة البريطانية لم تقدم في الواقع أي هدف استراتيجي حقيقي لمشاركتها في قصف اليمن.
بالإضافة إلى ذلك فإن المشاركة البريطانية في الحرب الأمريكية ضد اليمن جاءت “محدودة” بشكل واضح ومعلن، وعبرت عن رغبة في عدم الانخراط بشكل كامل في العمليات، وهو ما قلل بشكل أكبر من مصداقية المبررات التي تم تقديمها.
ولهذا السبب على الأرجح، وصف قائد حركة “أنصار الله” عبد الملك الحوثي، بريطانيا، اليوم الخميس، بأنها “تابع ذليل وضعيف لأمريكا”، في إشارة إلى أن الهدف من مشاركتها في قصف اليمن لا ينطلق من مصلحة بريطانية واضحة وخاصة، بقدر ما يتعلق بالرغبة في إظهار نوع من المساندة الولايات المتحدة.
– الأهداف التجارية أكثر حضوراً في المشهد:
توقيت الضربات ربما يقدم الإجابة الأكثر وضوحاً عن سبب رغبة المملكة المتحدة في إظهار دعمها للولايات المتحدة الآن، فالحملة الأمريكية ضد اليمن قد بدأت قبل شهر ونصف، لكن وقتها لم تكن التعريفات الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب على مختلف دول العالم قد أعلنت ودخلت حيز التنفيذ، ولم تكن بريطانيا بحاجة ماسة- كما هي الآن- إلى التوصل إلى تفاهم تجاري مع الإدارة الأمريكية التي لا تخفي استخدامها لقرار الرسوم الجمركية كورقة ضغط للحصول على تنازلات سياسية وغير سياسية مهمة من الدول الأخرى.
قبل يومين فقط، نشرت شبكة “بي بي سي” البريطانية تقريراً رصده موقع “يمن إيكو”، ذكر أن البنك الدولي خفض توقعاته لنمو الاقتصاد البريطاني هذا العام من 1.6% إلى 1.1%، بسبب تأثير الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب على المنتجات البريطانية بنسبة 10%، إلى جانب الرسوم المفروضة بنسبة 25% على جميع واردات الصلب والألمونيوم والسيارات (البريطانية وغيرها) إلى الولايات المتحدة.
ووفقاً للتقرير فإن “الولايات المتحدة تعد سوقاً رئيسياً للخدمات البريطانية، وتستقبل أيضاً حوالي 16% من صادرات المملكة المتحدة”.
وذكر التقرير أنه “من المتوقع أن تؤدي الرسوم الجمركية التي فرضت مؤخراً على المملكة المتحدة ودول أخرى إلى إضعاف ثقة الشركات والمستهلكين، فضلاً عن خفض الطلب على السلع والخدمات”.
ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة “الغارديان” البريطانية، اليوم الخميس، ورصده موقع “يمن إيكو”، فقد “وجه كبار المسؤولين التنفيذيين في قطاعات السيارات والمواد الكيميائية والطاقة في المملكة المتحدة تحذيراً للبرلمان من توقع خسائر واسعة النطاق في الوظائف هذا الصيف إذا مضت الولايات المتحدة قدماً في تطبيق الرسوم الجمركية”.
ونقل التقرير عن روب دوبسون، المسؤول في وكالة “ستاندرد آند بورز” قوله إن “المصانع البريطانية تضررت بشدة من تداعيات الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، والتي أدت إلى ارتفاع ضغوط التكلفة، وتدهور سلاسل التوريد، وزيادة عدم اليقين التجاري”.
حالياً ينخرط العديد من الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والصين، في مفاوضات مع إدارة ترامب للتوصل إلى تفاهمات بشأن تجنب الرسوم الجمركية، وقد لجأت الإدارة الأمريكية إلى منح إعفاءات من الرسوم لبعض المنتجات مثل الهواتف وأجهزة الكمبيوتر لتجنب التأثير السلبي على المستهلكين الأمريكيين، وهناك تصريحات بشأن انفتاح الولايات المتحدة على تخفيض الرسوم على الاتحاد الأوروبي.
لكن بريطانيا لم تعد جزءاً من الاتحاد الأوروبي، كما أن اقتصادها يعاني بالفعل منذ سنوات، وصادراتها إلى الولايات المتحدة ليست مهمة بما يكفي لتحصل على إعفاءات أمريكية، مثل الأجهزة الإلكترونية التي تأتي من الصين.
في مطلع ابريل، نقلت “بي بي سي” عن ترامب قوله إنه منفتح على المفاوضات بشأن الرسوم الجمركية إذا قدمت الدول “شيئاً استثنائياً للغاية”، ويبدو أن المملكة المتحدة لم تستطع تقديم ذلك “الشيء” فقد ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية في الفترة نفسها أن بريطانيا “جربت كل شيء، بما في ذلك دعوة ملكية” و”حملة تودد مطولة من قبل رئيس الوزراء كير ستارمر” لكن ذلك لم يجنبها رسوم ترامب.
وفي هذا السياق فإن المشاركة في حملة القصف ضد اليمن، قد توفر لبريطانيا تذكرة مهمة للتوصل إلى اتفاق تجاري مع البيت الأبيض، خصوصاً في هذا التوقيت الذي تواجه فيه إدارة ترامب ضغوطاً متزايدة بسبب عدم نجاح الحملة العسكرية وتعاظم تكاليفها بشكل سريع، كما تواجه انتكاسات عملياتية خطيرة مثل حادثة سقوط مقاتلة (إف-18) من على متن حاملة الطائرات (هاري ترومان) في البحر الأحمر.
وينسجم هدف التوصل إلى اتفاق تجاري مع حجم وطبيعة المشاركة البريطانية في الحملة الأمريكية أيضاً، حيث لم تندفع المملكة المتحدة للانخراط بشكل واسع في الحملة، ولم تقترب حتى من مستوى مشاركتها في الحملة التي شنتها إدارة بايدن العام الماضي، بل حرصت على تصوير الضربات كنوع من الدعم المحدود والحذر، وهو ما يشير إلى وجود أهداف أخرى “غير عسكرية” لهذه الضربات.
YNP