ضربة انتقامية قوية يوجهها تحالف بوتين وبن سلمان الى أمريكا بتخفيض انتاج منظومة “أوبك بلس” مليوني برميل يوميا.. هل جاء هذا القرار رداً على حزمة العقوبات الامريكية الجديدة على روسيا؟ وما هي انعكاساتها سلباً او إيجاباـ على حرب أوكرانيا؟ ولماذا المنتجون العرب والمسلمين الرابح الأكبر؟

4٬753

أبين اليوم – مقالات وتحليلات

ربما لا تسير تطورات الأوضاع العسكرية في الحرب الأوكرانية خاصة في بعض الأقاليم الأربعة في جنوب وشرق البلاد، وفق ما يشتهيه الرئيس فلاديمير بوتين، لكن القرار الذي اتخذته يوم الأربعاء لجنة المراقبة الوزارية المشتركة لمجموعة كبار مصدري النفط في العالم “أوبك بلس” على خفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً جاء ضربة اقتصادية ومالية وسياسية قاصمة للولايات المتحدة الامريكية ولحلفائها الاوروبيين، وكرد مزلزل على العقوبات الاقتصادية الجديدة التي فرضتها على روسيا كرد على عملية الاستفتاء والضم في هذه الأقاليم.

أهمية هذا القرار، وفي مثل هذا التوقيت، تكمن من تجسيده ثمرة تنسيق متكامل بين المملكة العربية السعودية وحاكمها الفعلي الأمير محمد بن سلمان، الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة على مدى سبعين عاما، والعدو الأول لأمريكا وحلف الناتو، أي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وسبحان مغير الأحوال والتحالفات.

أمريكا مارست ضغوطا ضخمة، مصحوبة بمغريات غير مسبوقة على المملكة العربية السعودية، ودول خليجية أخرى منتجة للنفط (الكويت وعُمان والامارات) لدفعها الى زيادة الإنتاج لخفض أسعار النفط، وإنقاذ الاقتصاد الغربي من الانهيار نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة، ولهذا يأتي هذا القرار المفاجئ، بتخفيض الإنتاج بمليوني برميل يوميا، واعتبارا من بداية فصل الشتاء في اول تشرين ثاني (نوفمبر) المقبل، نسفاً لكل المخططات الامريكية وتسريعاً لحالة التدهور التي تواجه الاقتصاد الغربي والاوروبي تحديدا هذه الأيام.

الرئيس بايدن يريد تأزيم الاقتصاد الروسي، من خلال تخفيض عوائد النفط والغاز المتدفقة على الخزائن الروسية، ولكن هذا القرار الجديد لمنظومة “أوبك بلس” سيعطي نتائج عكسية تماماً، لأنه سيزيد هذه العوائد أولا، وبما يدعم المجهود الحربي الروسي ثانياً، وتغطية نفقات الحرب في أوكرانيا ثالثا، وفوائض مالية على الدول المنتجة ومعظمها من دول العلم الثالث، وعربية واسلامية، على وجه الخصوص.

نشرح أكثر ونقول، انه قبل صدور هذا القرار، كانت أسعار برميل النفط تحت حاجز التسعين دولاراً بعد ان وصلت الى 120 دولارا في بداية الحرب الأوكرانية، الآن ستشهد الأسعار ارتفاعا قد يتجاوز المئة دولار في الأيام القليلة المقبلة، وربما يصل الى سعر 120 و150 دولارا أيضا ان لم يكن أكثر، مما يعني ارتفاع معدلات التضخم، وغلاء المعيشة، ومواجهة عشرات الملايين من الأوروبيين صقيعاً غير مسبوق في تاريخهم، لن ينفع معه لا حطباً ولا فحماً حجرياً.

هناك عدة نقاط يمكن استشرافها من بين ثنايا هذا القرار وتبعاته السياسية والاقتصادية، وانعكاساته على خريطة التحالفات في العالم، بل ومستقبل الحرب الأوكرانية:

أولا: جميع الدول المنتجة للنفط، وفي العالم الثالث خصوصاً، ابتداء من الخليج ومرورا بشمال افريقيا (الجزائر وليبيا)، وانتهاء بشرق آسيا (اندونيسيا) ستتدفق على خزائنها عشرات المليارات الاضافية من جراء ارتفاع الأسعار، أثر انتهاء الهيمنة الامريكية على منظمة الأوبك والتحكم بأسعار النفط عالميا بما يخدم الاقتصادات الغربية، ولأكثر من سبعين عاما.

ثانيا: قد يكون الأمير بن سلمان قد وجه صفعة قوية ومؤلمة للرئيس بايدن الذي حاول فرض عزلة عالمية عليه بعد اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي ومنع تمتعه بالحصانة من الملاحقات القضائية التي تطارده في الولايات المتحدة حتى بعد تعديل النظام الاساسي للحكم السعودي، وتوليه رئاسة الوزراء الى جانب ولايته للعهد.

ثالثا: يثبت هذا الاتفاق متانة التحالف الجديد بين روسيا ودول الخليج (باستثناء قطر) وخروج معظم هذه الدول من عبائة الهيمنة الامريكية بشكل تدريجي متسارع، فقد كان لافتاً انه لم تعارض أي من هذه الدول اتفاق زيادة الانتاج النفطي الذي تعارضه أمريكا بقوة، وما حدث هو العكس تماما.

رابعا: فشل سياسة العقوبات الاقتصادية الامريكية التي استهدفت روسيا وايران والصين وكوريا الشمالية، والأخطر من ذلك انها بدأت تعطي نتائج عكسية على أمريكا وحلفائها.

لا نعتقد ان الرئيس بوتين سيحتاج، ولو في المستقبل المنظور، الى ارتداء لباس الحرب النووية، والتحرك بالطائرة المحصنة، من هذه الحرب، او ارسال القطار النووي المحمل بستة صواريخ كل واحد مزود بثلاثة او ستة رؤوس نووية، او تحريك أضخم غواصة نووية روسية في العالم (يبلغ طولها 184 مترا، ووزنها 14700 طن، وتحمل 8 صواريخ يوسيدون النووية) قرب الحدود الأوكرانية والأمريكية استعدادا للحرب النووية التي تزعم صحيفة “التايمز” البريطانية ان بوتين سيشعل فتيلها في ظل هزائمه الأخيرة، فربما يكون الانتصار نصيبه دون ان يطلق صاروخا نوويا واحدا بسبب التخبط الأمريكي.

الانهيار الاقتصادي الذي تراهن عليه إدارة بايدن سيبدأ في القارة الأوروبية، وبعدها سينتقل الى الولايات المتحدة، ولا نستبعد ان ترسل هذه الإدارة فواتير الحرب الى الاتحاد الأوروبي لتسديدها، تماماً مثلما فعلت بدول الخليج بعد انتهاء الغزو الأمريكي للعراق، وتدمير سورية وليبيا.

أمريكا وبإختصار شديد هي التي تخسر الحرب حتى الآن، وليس روسيا، وسقوط مدينة هنا او زاروب هناك ليس المقياس، فالحروب كرّ وفرّ، والعبرة بالنهايات، ونهايات جميع الحروب الامريكية هزائم ابتداء من فيتنام وانتهاء بالعراق وأفغانستان.. والأيام بيننا.

عبد الباري عطوان..
المصدر: رأي اليوم..