عطوان: عدم رد قيادة “القسام” على إتفاق المؤامرة للأسرى هو أعظم رد في حد ذاته.. وارتكاب مجازر في رفح هو الخطة الإسرائيلية القادمة.. لماذا يفضل معظم أبناء المدينة الشهادة على تسلق جدار الحدود الى سيناء..!

5٬784

أبين اليوم – مقالات وتحليلات 

تحليل/ عبد الباري عطوان:

أصابت قيادة “حماس” في قطاع غزة عندما تجنبت الرد (حتى الآن) على مشروع إتفاق وقف إطلاق النار الذي تمخض عن إجتماع رباعي في باريس لرؤساء أجهزة المخابرات في مصر وقطر وإسرائيل وأمريكا، فهذا الإتفاق لم يكن مصيدة للإفراج عن الأسرى المدنيين فقط، وانما خطوة لجمع المعلومات عن أماكن تواجد الأسرى وشبكة الانفاق، وقيادة كتائب “القسام”، فعدم الرد رد، وإظهار أعلى درجات الوعي من قبل المجاهد يحيى السنوار وطاقم قيادته، وأبرزهم الجنرال محمد الضيف، والمجاهدين مروان عيسى ومحمد السنوار.

نحن تقف الآن أمام مجازر إسرائيلية غير مسبوقة للمدنيين في منطقة رفح في أقصى جنوب القطاع بعد التصريحات التي ادلى بها امس يواف غالانت وزير الحرب الإسرائيلي التي قال فيها “سنقضي على العناصر الإرهابية في رفح” وقد بدأ فجر اليوم تنفيذ هذه المجازر بقصف مدفعي واقتحام دبابات للمنطقة، وتفيد إحصاءات منظمات إنسانية تابعة للأمم المتحدة ان 100 شهيد سقطوا نتيجة استهداف عمارتين مكتظتين بالسكان سواء من أبناء المدينة او النازحين اليها من شمال القطاع والمخيمات الوسطى.

الهدف الأبرز من المجازر الإسرائيلية التي بدأت اليوم في مدينة رفح التي يتواجد فيها 1.3 مليون من المدنيين نسبة كبيرة منهم من الأطفال والنساء، هو إجبار هؤلاء على مغادرة القطاع واللجوء الى سيناء.

أحد أبناء القطاع قال لوكالة “رويترز” العالمية “نحن أمام خيارين: الأول ان نبقى ونستشهد، أو نتسلق الجدار الحدودي مع مصر”، والخيار الأول هو المرجح فيما يبدو، أما نيس لايركه من مكتب الأمم المتحدة في القطاع فكان له رأي آخر ملخصه “رفح بمثابة طنجرة ضغط مملوءة باليأس، ونخشى مما سيحدث لاحقاً”، وما لم يقله الخواجة لايركه، ان طنجرة الضغط هذه ستنفجر على شكل آلاف الضحايا من الأبرياء اذا قرر الجنرال غالانت تنفيذ تهديداته واقتحام المدينة.

أحد اشقائي ومعظم أبناء عمومتي واقربائي يعيشون في رفح إلى جانب من لجأ الى منازلهم من أهلنا في شمال القطاع، وقال لنا أحدهم في مكالمة هاتفية “ان كل أبناء القطاع يعيشون حالة من المجاعة غير مسبوقة لعدم وصول المساعدات الإنسانية، ونفاذ مخازن منظمة “الاونروا” الأممية تقريبا، وزادت الرياح والعواصف والأمطار الغزيرة والطقس البارد جدا (الاربعينية) من هذه المعاناة.

الخديعة من شيم دولة الاحتلال سياسييها وجنرالاتها، فهؤلاء قالوا لسكان شمال غزة في منشورات رسمية اذهبوا الى الجنوب، أي رفح وخان يونس والمعسكرات الوسطى التي تعتبر آمنة، والا ستواجهون الموت، وكانوا صادقين في حالة واحدة، تدمير العمارات والمنازل بقصف مكثف وقتل الآلاف من السكان ما زال عشرات الآلاف من الشهداء تحت الأنقاض.

كيف يمكن التعايش مع أناس على هذه الدرجة من البربرية والإجرام، فهؤلاء يريدون محو الشعب الفلسطيني، كل الشعب الفلسطيني، من الوجود وبتأييد ودعم وحماية الولايات المتحدة الامريكية ودول أوروبية، وفوقهم استراليا وكندا، وجميع هذه الدول تلقي علينا محاضرات حول السلام، وقيم العدالة، وحقوق الانسان والتعايش.

كتائب “القسام” لن تستسلم، وقادتها لن يقبلوا بأي اتفاق تبادل أسرى مسموم ومخادع يكون مقدمة لهجوم ثان يؤدي الى إعادة احتلال القطاع.

ولعل عدم الرد هو صفعة للإدارة الأمريكية ورئيسها ووزير خارجيتها انتوني بلينكن الذي سيبدأ جولة تشمل دولة الاحتلال والسعودية ومصر وقطر لتسويق حزمة من الأكاذيب على رأسها اتفاق الهدنة المؤقتة، وقيام دولة فلسطينية على الورق وربما يؤدي إعلانها الى مكافأة دولة الاحتلال بتطبيع ساخن مع المملكة العربية السعودية.

اشقاؤنا في رفح لن يتسلقوا الجدار العازل الى صحراء سيناء، وسيختارون، والغالبية الساحقة منهم، الشهادة والدفن في تراب قطاعهم الطاهر المبارك والمعمد بدماء الشهداء.. والأيام بيننا.

 

المصدر: رأي اليوم