“مقالات“| حين يتحوّل التعليم إلى تجارة.. من يعلّم من..!

5٬915

أبين اليوم – خاص 

بقلم/ م. وليد الحدي:

كان المعلّم يُربّي قبل أن يُدرّس، وكان للمدرسة هيبة تشبه هيبة الوطن.. أما اليوم، فصرنا نرى الصفوف تُباع، والمقاعد تُؤجَّر، والعقول تُسعَّر.

في خضم التغيرات الاقتصادية والانهيارات المتتالية، تحوّلت كثير من المدارس الأهلية – التي وُجدت يومًا لتكون بديلًا داعمًا للتعليم الحكومي – إلى شركات تجارية بواجهة تعليمية. لم تعد الغاية “العِلم”، بل الربح. ولم يعد الطالب مستقبل الأمة، بل أصبح “عميلًا دائم الدفع”.

في الإعلانات وعود بالتفوّق، بينما في الواقع تكدّس طلاب، معلمون بلا استقرار، وإدارات تُجيد الحساب أكثر من التربية.

كان يُفترض أن يكون التعليم مشروعًا وطنيًا تنمويًا، لكن بعض المدارس الأهلية اختزلته إلى مجرد أرقام. المصروفات السنوية تُحدَّث كما تُحدَّث أسعار البورصة. الأنشطة تُحدَّد لا بما ينفع الطالب، بل بما يُرضي “العميل”، والنجاح الدراسي؟ يُمنح أحيانًا لا يُكتسب… فقط حفاظًا على السمعة التسويقية..!

وإذا كانت المدرسة تُدار اليوم بذهنية تاجر، فماذا بقي من دورها التربوي؟ من يُعلّم القيم؟ من يُغرس حب الوطن؟ من يصحّح الخطأ بلا خوف من فقدان “الزبون”؟

وماذا عن التعليم الحكومي؟

إذا كان القطاع الخاص قد دخل حلبة التجارة، فإن التعليم الحكومي يعيش حالة تفريغ ممنهج من مضمونه، فصول بلا معلمين، معلمون بلا أجور، ومبانٍ مدرسية تُستخدم لأغراض إدارية أو تترك مهجورة، لم تعد المشكلة في ضعف الإمكانات فقط، بل في تعطيل متعمّد للتعليم المجاني، لإجبار أولياء الأمور على التوجّه نحو المدارس الخاصة، ولو على حساب لقمة العيش.

في بعض المناطق، يتوقف العام الدراسي بقرار شفهي من مسؤول محلي، دون اكتراث لمصير مئات التلاميذ. تُؤجّل المناهج، وتُهمل المتابعات، بينما تُمنح الرخص للمدارس الخاصة كأنها محطات استثمار مربحة.

التعليم في اليمن لم يعد حقًا… بل امتيازًا لمن يدفع، من لا يملك المال، يتخرج من مدرسة بلا سبورة، أو لا يتخرج أبدًا.

ومن يملك، يدفع ليس من أجل جودة مضمونة، بل من أجل شهادة تُعلّق على الجدران، وواقع معرفي هشّ في العقول.

جيل على مفترق طرق، جيل اليوم تائه بين فشل التعليم الرسمي، وغلاء التعليم الخاص، وانعدام الثقة في الاثنين.

جيل يعرف كيف ينجح على الورق، لكنه لا يعرف كيف يواجه الحياة. يملك شهادة، لكنه لا يملك انتماء، ولا حسًّا بالمسؤولية.

ما لم تُعد صياغة مفهوم التعليم في اليمن من جذوره – على أسس أخلاقية، وطنية، وتنموية – فإننا لا نُفرّط في الحاضر فقط، بل نؤسّس لانهيار أجيال قادمة.

التعليم ليس سلعة، التعليم ليس رفاهية، بل هو حجر الأساس الوحيد لبناء وطنٍ قابل للبقاء.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com