عطوان: كيف قدّمت حركة “حماس” وحُلفاؤها في المُقاومة “الهديّة” الأكبر للرئيس بوتين؟ وما هي المُؤشّرات الميدانيّة والدوليّة التي تَصُبّ في مصلحةِ انتِصاره في الحرب الأوكرانيّة؟ ولماذا نتأمّل مِنه المزيد من التّقارب مع العرب والمُسلمين..!

6٬005

أبين اليوم – مقالات وتحليلات 

تحليل/ عبدالباري عطوان:

هُجوم “طُوفان الأقصى” على مُستوطنات غِلاف قطاع غزة قبل أربعة أشهر وتوريط نتنياهو “غير المقصود” لأمريكا ودُول حلف الناتو الأوروبيّة في دعمِ حربه ومجازره الجماعيّة، كانَا “أكبر هديّة” للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأكبر نكسة لأوكرانيا وداعِميها في الحرب.

هذه الأيّام تُكمِل الحرب في أوكرانيا التي أشعل فتيلها الرئيس بوتين عامَها الثاني، وتَدخُل العام الثالث، وكُل المُؤشّرات تؤكّد أن الرئيس بوتين هو الفائز الأكبر في هذه الحرب، فحتّى الآن يحتفظ بالأقاليم التي سيطر عليها، وبعد ذلك ضمّها، الواقعة في جنوب وشرق أوكرانيا، وتضم غالبيّة روسيّة، إلى جانب شِبه جزيرة القِرم التي كان قد ضمّها عام 2014.

شعبيّة الرئيس بوتين في تصاعدٍ مُستَمِرٍّ، ويكفي أن نذهب لرصد رُدود الفِعل على المُقابلة التي أجراها معه الصّحافي الأمريكي الشّهير تاكر كارلسون قبل عدّة أيّام، وشاهَدها 150 مِليون في اليوم الأوّل فقط، بالمُقارنة مع مُقابلات جو بايدن المُماثلة التي لا يُشاهدها إلّا بضعة ملايين من أنصاره فقط، وغالبًا من أجل البحث عن سقطاته المُضحكة، والتأكّد من إصابته بمرض “الزهايمر”، وعدم صلاحيّته للحُكم بالتّالي، أمّا زيلينسكي رئيس أوكرانيا الذي كان يتربّع وصُوره على صدر الصّفحات الأولى في الصّحف العالميّة، ونشَرات الأخبار التلفزيونيّة، فلم يَعُد يذكره أحد، والمرّة الوحيدة التي لفت فيها الأنظار بعد غيابٍ طويل، كانت عندما أقال الجِنرال فاليري سيرسكي قائد الجيش من منصبه، هو الذي يتمتّع بشعبيّةٍ كبيرةٍ في أوساط الأوكرانيين، وهي الشعبيّة التي جعلته المُنافِس الأكبر، والبديل المُستقبلي له، أي زيلينسكي.

بوتين في المُقابلة المذكورة آنفًا، أكّد أن روسيا لن تُهزَم بل ستنتصر في الحرب التي تشنّها أمريكا والغرب ضدّها، وجيشها قادرٌ على الصّمود لسنوات، وكذلك اقتِصادها، وتجنيد أكثر من 30 ألف جُندي إضافي شهريًّا لدعمِ الجيش.

مُعظم المُؤشّرات والتطوّرات في جبهات القِتال، وعلى السّاحة الدوليّة تصبّ في مصلحة الرئيس بوتين، فارتفاع أسعار النفط والغاز عزّز الخزينة الروسيّة، والخِلافات بين أمريكا وحُلفائها الأوروبيين حول الحرب في أوكرانيا وتمويلها تتفاقم، ووصلت هذه الخلافات إلى داخل الكونغرس الأمريكي نفسه الذي لم يُقر مُساعدات ماليّة لأوكرانيا بأكثر من 30 مِليارًا، (أمريكا قدّمت 110 مِليار حتّى الآن)، والأهم من هذا وذاك أن دونالد ترامب الصّديق الحميم لروسيا ورئيسها بوتين، الذي قال إنّه يُمكن إنهاء حرب أوكرانيا في يومٍ واحد، يتقدّم بخُطَى واثقةٍ في استِطلاعات الرأي، بينما تتراجع وبالوتيرةِ نفسها شعبيّة خصمه بايدن.

ترامب هدّد بعدم الدّفاع عن دُول حِلف شِمال الأطلسي في حالِ عودته إلى البيت الأبيض، وذهب إلى ما هو أبعد من ذلك عندما قال بأنّه لن يُدافع عن دُول حِلف الناتو، وقد يُشجّع روسيا على مُهاجمة هذه الدّول التي لا تُبادر إلى دفع ما يترتّب عليها من أموالٍ إذا ما فازَ في الانتخابات الرئاسيّة القادمة في تشرين ثاني (نوفمبر) المُقبل.

بوتين الدّاهية خدع الغرب عندما جاء إلى السّلطة مُضمِرًا مشروعًا مُتكاملًا لإعادة الإمبراطوريّة الروسيّة، والانتِقام من الغرب الذي تآمَر لتفكيك الاتّحاد السوفييتي، فقد أوحى للغرب أنّه يُريد أن يكون مُختلفًا عن الحكّام الذين سبقوه، ويتطلّع إلى علاقاتٍ وثيقةٍ مع الغرب، وقد انطلت الحيلة على زُعمائه حيثُ رحّب به الرئيس الأمريكي جورج بوش، وقال توني بلير رئيس وزراء بريطانيا إن بوتين يستحقّ مكانةً على طاولة الشّرف، أمّا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فقد بزَّ الجميع عندما دعا بوتين إلى المقرّ الصّيفي للرؤساء الفرنسيين وتحاور معه لمدى ساعتين قبل عشاءٍ شهيّ.

الحرب خدعة، سواءً كانت عسكريّة أو سياسيّة، وهذا ما يُؤمن به بوتين فيما يبدو، فقد قلب الطّاولة على الجميع عندما اتّخذ قرار الحرب في أوكرانيا، ونفّذه بشَكلٍ مُفاجئ وسريع، أي تغدّى بالغرب قبل أن يتعشّوا به، وصدّ في الصّيف الماضي هُجومًا أوكرانيًّا على روسيا وضع الغرب كُلّ بيضه في سلّته.

الآنْ بدأ الرئيس بوتين في تغيير سياساته بشَكلٍ مُتسارع، وأبرز مُؤشّرات هذا التّغيير استعادة العلاقات التحالفيّة مع العرب، ودعم القضيّة الفِلسطينيّة، والتّعاطي بشَكلٍ مُكثّفٍ وودّيٍّ مع حركة المُقاومة الإسلاميّة  “حماس”، ودعوة وفدٍ منها لزيارة موسكو، الأمر الذي وتّر علاقته مع إسرائيل التي شنّت هُجومًا كاسحًا عليه، ووزير خارجيّته سيرغي لافروف بسبب هذا الاستِقبال، علاوةً على أحاديثه السّابقة حول الأُصول اليهوديّة لهتلر.

ما نَطمحُ إليه كعربٍ ومُسلمين أن يقترب الرئيس بوتين منّا، وأن يُفرّق كُلّيًّا بين مُعظمنا الذي يدعم موقفه وصُموده في وجْه أمريكا وحِلف الأطلسي، وبين دولة الاحتِلال الإسرائيلي التي تدعم زيلينسكي تحت الطّاولة وفوقها في حربه ضدّ روسيا لخدمة الغرب، ونتمنّى أن يزور سورية التي وقّعت معه مُعاهدة دفاع مُشترك بالأسلحة والصّواريخ والرّادارات المُتطوّرة للتصدّي للهجمات الإسرائيليّة المُتكرّرة على أراضيها.

مطالبنا هذه من الرئيس بوتين مشروعة ونأمل أن يقف بقُوّةٍ في خندقِ ضحايا حرب الإبادة والتّطهير العِرقي في الضفّة والقِطاع على أيدي النازيّة الصهيونيّة، وأن يستجيب للمطالب الدفاعيّة السوريّة، وليس هذا بكثير، ويسودنا اعتقادٌ راسخٌ بأنّه لنْ يتخلّى عن حُلفائه الحقيقيين.. والأيّام بيننا.

 

المصدر: رأي اليوم