عطوان: لماذا نختلف مع بايدن بقوله إنّ نتنياهو يَضُرّ إسرائيل أكثر ممّا ينفعها؟ وكيف نجح في عزل مِصر جُغرافيًّا وسياسيًّا عن القضيّة الفِلسطينيّة ولو مُؤقّتًا؟ وما هو السِّر وراء تأجيل اجتِياح مدينة رفح حتّى الآن..!

6٬574

أبين اليوم – مقالات وتحليلات 

تحليل/ عبدالباري عطوان:

إذا كان الرئيس الأمريكي جو بايدن يُؤمن، ومُقتنع، بما قاله في مُقابلته مع محطّة “إم إس إن بي سي” الأمريكيّة بأنّ بنيامين نتنياهو يَضُرّ إسرائيل أكثر ممّا ينفعها بطريقةِ إدارته الحرب في غزة، ويُحذّر من أنّ اجتياح قوّاته لمدينة رفح “خطٌّ أحمر”، فلماذا أعلن دعمه المُطلق له مُنذ اليوم الأوّل لشنّه حرب الإبادة على قطاع غزة، واعتبر قتل الأطفال الفِلسطينيين والنّساء والمُسنّين دِفاعًا عن النّفس، وأقام جِسرًا جويًّا لتزويده وجيشه، بالذّخائر والأسلحة الحديثة لإنقاذه من الهزيمة المُحَقّقة؟

بايدن، كان، وما زال شريكًا لنتنياهو في حرب الإبادة في قطاع غزة، وأرسل أكثر من ألفيّ جُندي من قوّات النّخبة “المارينز” للقتال في القطاع إلى جانب الجيش الإسرائيلي، وها هو الآن يُعطي تعليماته للجيش الأمريكي بإقامة رصيف عائم “مُؤقّت” قُبالة سواحل القطاع لنقل المُساعدات عبر ميناء لارنكا القبرصي “المشؤوم” إلى المُحاصَرين والمُجوّعين فيه في تبنٍّ رسميٍّ علنيٍّ لمشروع نتنياهو للتّهجير البحَري وإلغاء التّواصل الجُغرافي بين مِصر وغزة، وهذا ما يُفسّر ترحيبه السّريع به.

من فضح نتنياهو وعرّاه، ليست الأخطاء التي ارتكبتها حُكومته في إدارة الحرب في القطاع، وإنّما الإدارة الذكيّة المُضادّة لحركات المُقاومة الفِلسطينيّة بقيادة “حماس”، والمُجاهد يحيى السنوار ومُساعديه، والقادة الميدانيين لكتائب القسّام، وسرايا لقدس، وكتائب المُجاهدين، والقائمة تطول.

نتنياهو كانَ قائدًا “غوغائيًّا” مُنذ اليوم الأوّل لوصوله إلى منصّة رئاسة الوزراء، وانهزم في جميع المعارك العسكريّة التي خاضتها حُكومته، والدّليل الأكبر معركة “سيف القدس” في رمضان عام 2021 حيث هرول مُستجديًا شريكه المُتفاخِر بصُهيونيّته بايدن للتدخّل لدى السّلطات المِصريّة لإيقاف هذه الحرب بأسرعِ وقتٍ مُمكن، بعد هطلت آلاف الصّواريخ على تل أبيب وأسدود وعسقلان وسدروت، والقدس نفسها، وجرى عزل “إسرائيل” كُلّيًّا عن العالم لإغلاق جميع المطارات، فهل كانت إدارة نتنياهو ناجحة في هذه المعركة؟

مُنذ أكثر من شهر ونتنياهو يُهدّد باقتحام مدينة رفح، ولكنّه لم يُنفّذ تهديداته، وقد لا يُنفّذها على الإطلاق، لعدّة أسباب، لأنّ مشروع التّهجير البرّي الذي كان الهدف الأوّل لهذا الاجتياح جرى إجهاضه مُبكّرًا، بإصرارِ أبناء القطاع على الاستِشهاد على أرضهم، ورفض اختِراق الحُدود إلى سيناء، والاستِعداد الجيّد لكتائب المُقاومة لمُواجهة هذا الاجتياح ونصب الأفخاخ والمصائد القاتلة للقوّات الغازية، وأخيرًا خُروج بايدن بفكرة الرّصيف البحَري لإلغاء معبر رفح من كُلّ مُعادلات التّهجير ولو مُؤقّتًا.

لا نكشف سِرًّا عندما نقول إن هذه الكتائب وقِيادتها، “تعمّدت” التشدّد في مواقفها برفض تقديم أيّ تنازل عن شُروطها للقُبول باتّفاق وقف إطلاق النّار المُؤقّت في اجتماعات القاهرة الأخيرة، لأنّها لا تخشى  من تهديدات نتنياهو هذه، ومُسْتَعِدَّةٌ للقتال لعامين أو خمسة إذا استمرّ العُدوان الإسرائيلي، فمَنْ كانَ يُصدّق أن تُكمل هذه الحرب شهرها الخامس وتدخل السّادس دُونَ العُثور على الفردةِ الثّانية من حِذاء السنوار.

نتنياهو يُعتَبر تلميذًا صغيرًا للفاشِل الأكبر بايدن، الذي تسبّبت إدارته لحرب غزة، وقبلها حرب أوكرانيا، بكوارثٍ كبيرة للولايات المتحدة الأمريكيّة، والعالم الغربيّ بشكلٍ عام، وبما يخدم مصالح خُصومها الرئيسيّين في روسيا والصين، ويُصَعّد الكراهية لأمريكا في مُختلف قارّات العالم، كدولة داعمة ومُؤيّدة لحُروب الإبادة والتّطهير العِرقي، ونشر الفوضى الدمويّة فيها.

الفصل الأوّل من “طُوفان الأقصى” نزع الأقنعة الزّائفة، وأظهر الوجه الدمويّ العُنصريّ الحقيقيّ للمشروع الصّهيوني، وعظمة كتائب المُقاومة الفِلسطينيّة، ورفع السّتار في الوقتِ نفسه عن مسرحيّات الديمقراطيّة، وحُقوق الإنسان، والعدالة الغربيّة الكاذبة، أمّا الفُصول التّالية التي سيكون عُنوانها الأبرز توسيع دائرة حرب غزة لاجتِثاث النّفوذ الأمريكي من جُذوره في مِنطقة الشّرق الأوسط وشِمال إفريقيا، بل ومُعظم القارّة السّوداء وجارتها الآسيويّة، وإرهاصات التّنفيذ بدأت بشَكلٍ مُتسارع.

ربّما يُفيد التّذكير في هذه العُجالة بأنّ نتنياهو لم يستطع الصّمود أكثر من 11 يومًا في معركة “سيف القدس”، ولم ينجح في السّيطرة على مدينة “خان يونس” في القطاع مُنذ أن بدأ اجتِياحها قبل ثلاثة أشهر، ولم يُسيطر على مُخيّم جنين في الضفّة الغربيّة التي لا تزيد مِساحته عن اثنان و أربعون بالمائة كم٢، ومِن المُؤكّد أنّه وشريكه بايدن، سيُواجهان هزيمةً أكبر في نابلس وطولكرم والخليل ورفح والقدس المُحتلّة، وفي الجبهات الأُخرى في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، والجليل في شِمال فِلسطين المُحتلّة، فإذا كانت مُعظم الحُكومات العربيّة جبانة، وفاقدة الكرامة، وعزّة النفس، وخاضعة للإملاءات الأمريكيّة، ومُتواطئة مع مُخطّطات حُروب الإبادة الإسرائيليّة، وحافظة للعهد لمشروع صفقة القرن ومُهندسها جاريد كوشنر، فإنّ كتائب المُقاومة وحواضِنها الشعبيّة ترفض ذلك كُلّيًّا، وستُثبِت الأيّام والأشهر المُقبلة صِدق ما نقول.

 

المصدر: رأي اليوم