عطوان: من هُم الثلاثي الجديد الذي سيَرِث عبّاس في المرحلة القادمة؟ وهل ستُعيّن أمريكا اللواء ماجد فرج حاكمًا للقطاع ببصمةٍ إسرائيليّة؟ وما هي العوامل التي تُحَدّد فُرص النّجاح والفشَل لكُل السّيناريوهات التي تُطبَخ على نارٍ مُستَعرةٍ حاليًّا في واشنطن وتل أبيب..!

6٬574

أبين اليوم – مقالات وتحليلات 

تحليل/ عبدالباري عطوان:

عادت التقارير لتتزاحم هذه الأيّام حول ما يُسَمّى مرحلة ما بعد الحرب في غزة، وطرح خِيارات جديّة لحُكم القطاع بعد القضاء المُفترض على حُكم حركات المُقاومة الوطنيّة بزعامة حركة “حماس” وكتائب القسّام ذراعها العسكري، وردّ الاعتَبار لسُلطة رام الله بعد ترقيعِ ثوبها.

بعد “وأد” رسمي وشعبي لـ”بالون اختبار” حُكومة العشائر والمخاتير التي جرى طرحها في تزامنٍ مع القرار الأمريكي بتهميشِ معبر رفح وإنهاء التواصل الجُغرافي بين القطاع ومِصر، بإقامة رصيف بحري مُؤقّت لاستِقبال المُساعدات عبر ميناء لارنكا القبرصي، يتردّد هذه الأيّام اسم اللواء ماجد فرج رئيس المُخابرات التّابعة للسّلطة الفِلسطينيّة بقُوّة ليكون البديل للمُجاهد السنوار وحركة “حماس” لإدارة القطاع المنزوع السّلاح والكرامة الوطنيّة، في تكرارٍ رديءٍ لسُلطة رام الله.

الجِنرال يوآف غالانت وزير الحرب الإسرائيلي من أكثر المُتحمّسين لتولّي اللواء فرج لهذه المَهمّة، أيّ تشكيل إدارة جديدة “مُؤقّتة” تضمّ شخصيّات ليس لها علاقة بحركة “حماس” حسب قناة “كان” الرسميّة، ويُؤيّده في هذا التوجّه يائير لابيد قائد المُعارضة، الذي وصف اللواء فرج بأنّه “الأكثر مُلائمة لإدارة المرحلة الجديدة في القطاع لأنّه كان المُشرف على التّنسيق الأمنيّ مع الأجهزة الأمنيّة، ولأنّ أمن إسرائيل لا يُمكن أن يتحقّق إلّا بالعمل مع السّلطة”، أيّ أنّ الرّجل مُجرّب عمليًّا ونجح في جميع الاختِبارات.

يبدو واضحًا أن ما يُسمّى بعمليّة الإصلاح الأمريكيّة للسّلطة الفِلسطينيّة المُكوّنة من ثلاثة رُؤوس بدأت تتبلور، وبشَكلٍ مُتسارع، فالسيّد حسين الشيخ سيكون الرّأس السّياسي، واللواء ماجد فرج سيكون الرّأس الأمني والعسكري، أمّا الرّأس التنفيذي، أو سلام فياض الجديد، فسيكون الدكتور محمد مصطفى الذي عيّنه الرئيس محمود عبّاس قبل يومين رئيسًا للوزراء خلفًا للدكتور محمد إشتية، عُضو اللجنة المركزيّة لحركة “فتح” الذي جرى إجباره لتقديم استِقالته مُكرهًا، لإفساح المجال “للمُخلصين الجُدُد”.

ما يجمع بين الرؤوس ثلاثة أمور، الأوّل، نيلهم “الرّضا” الأمريكي، والثاني، رفضهم المُطلَق لمبدأ المُقاومة المُسلّحة، وعداؤهم لحركة “حماس” على وجه الخُصوص، والثالث، التمسّك باتّفاقات أوسلو وكُل ما تفرّع عنها من تعاونٍ أمنيٍّ وسياسيٍّ وعسكريٍّ مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، ومُعظم الحُكومات العربيّة المُطبّعة معها سواءً في الخليج أو الأردن ومِصر والمغرب تحت ذريعة الاعتِدال، والحِفاظ على استِقرار المِنطقة ومُواجهة “الإرهاب” والتطرّف.

هُناك خمس مُلاحظات رئيسيّة على هذا المُخطّط الأمريكي الإسرائيلي لا بُدّ من التوقّف عندها في إطار التنبّؤ بفُرص النّجاح والفشَل:

الأولى: الافتراض الخاطئ، والمُتسرّع، الذي يقوم على أساس التيقّن من هزيمة محور المُقاومة وأذرعه، وخاصّةً في الضفّة الغربيّة وقطاع غزة، فـ”حُكومة” غزة بقيادة حركة “حماس” ما زالت قائمة، وقويّة، وتملك اليد العُليا في القطاع تحت الأرض وفوقها، وتُوزّع المُساعدات، وتُحَدّد أسعار السّلع في الأسواق، رُغم دُخول حرب الابادة الإسرائيليّة شهرها السّادس، والتّقارير الكاذبة حول انهِيارها.

الثانية: أنّ هذه التّركيبة الثلاثيّة الجديدة ورُعاتها، ستُقدّم أكبر هديّة للمُقاومة، وللشّعب الفِلسطيني داعمها، وخاصّةً في الضفّة الغربيّة التي تغلي هذه الأيّام، من حيثُ تسريع انهيار حركة “فتح” القديمة، وإفساح المجال لحركة “فتح” الجديدة، ذات الطّابع الشّبابي الثّوري، التي تُريد إعادة الحركة إلى ينابيعها الأولى، والتخلّص من كُل إرث اتّفاقات أوسلو وأخطائها الكارثيّة.

الثالثة: سيكون من الصّعب جدًّا تسويق هذه التّركيبة ورؤوسها الثّلاثة للشّعب الفِلسطيني، سواءً في الضفّة أو القطاع أو المنافي، حتّى لو حظيت بمُوافقةِ بعض المخاتير وطبقة رجال الأعمال، وبعض قادة العشائر، والطّابور الخامس الحاقِد على المُقاومة.

الرابعة: غزوة “طُوفان الأقصى” ونجاحها المُذهل في الإعداد والتّنفيذ والصّمود، وهزيمة الكيان الصّهيوني في الميادين الاستخباريّة والعسكريّة والسياسيّة والإعلاميّة، جبّت كُل ما قبلها بِما في ذلك السّلطة الفِلسطينيّة وأجهزتها السياسيّة والأمنيّة الفاسدة، وباتت تُمهّد لمرحلةٍ كاسحةٍ في التّغيير ليس في فِلسطين المُحتلّة فقط، وإنّما في المُحيط العربيّ بأسْرِه.

الخامسة: النموذج القيادي الحالي للمُقاومة في الضفّة والقطاع، والمُتمثّل في المُجاهِدَين يحيى السنوار، وزياد النخالة، ومحمد ضيف، ومروان عيسى، وأبو عبيدة، ولا ننسى الشّهيد صالح العاروري، هذا النّموذج الزّاهد، المُتقشّف، مُتَعَجّل الشّهادة، الذي أعادَ صياغة مفهوم المُقاومة نظريًّا وعمليًّا، وبزّ الاحتِلال وتفوّق عليه وأجهزته، باتَ الأكثر قُبولًا ودعمًا لدى الشّعوب العربيّة والإسلاميّة، وليس الشّعب الفِلسطيني فقط، ولا يُمكن القفز عليه واستِبداله بقيادةٍ مدعومة أمريكيًّا وإسرائيليًّا وبعض الحُكومات العربيّة الدّاعمة لحرب الإبادة والتّدمير في قطاع غزة بشَكلٍ مُباشر أو غير مُباشر.

بالنّظر إلى كُلّ التّجارب السّابقة، الأمريكيّة والإسرائيليّة، والتطوّرات المُتسارعة داخِل فِلسطين المُحتلّة وخارجها في الـ157 يومًا السّابقة، أيّ مُنذ انطِلاق مُعجزة “طُوفان الأقصى” وقبلها، يُمكن القول إنّ جميع هذه السّيناريوهات محكومٌ عليها بالفشَل، وإنّ نتائج أيّ مُحاولة لتطبيقها ستكون عكسيّة، أي في صالح السّيناريوهات المُقابلة التي تفرضها المُقاومة، وثقافتها، ورِجالها وإدارتها لشتّى الجبهات والميادين.

للمرّة الأولى في تاريخ الصّراع العربيّ الإسرائيليّ يُوجد البديل النّاجح المُجدي على الأرض، أي المُقاومة الذكيّة الصّلبة المُعتَمِدَة على ذاتها، والبعيدة عن النّفوذ العربيّ الرسميّ الخاضِع للإملاءات الأمريكيّة و”المضبوع إسرائيليًّا”، ولهذا سينجح هذا النّموذج وسيكون القُدوة في عمليّة التّغيير في المِنطقة.

باختصارٍ شديد إنّ هذا الثّلاثي المفروض أمريكيًّا لن يكون الخِيار الفِلسطيني الشّامل، اللواء ماجد فرج لن يكون حاكمًا لغزة، وإنّ قيادة السنوار والنخالة والضيف وعيسى، باقية وتتصلّب وتتعمّق جُذورها في أرضِ فِلسطين الطّاهرة، فالشّعب الفِلسطيني الذي أنجب هؤلاء ليس قاصِرًا، ومن يَحكُمه هُم أبناؤه الذين يُدافعون عنه وكرامته وعزّته، وليس من يُعينهم الأعداء والمُحتلّون.. والأيّام بيننا.

 

 

المصدر: رأي اليوم