عطوان: ماذا لو نفّذ نتنياهو تهديداته باقتِحامِ مدينة رفح.. وكيف ستكون النتائج.. وهل سينسف مُفاوضات الدوحة لإيجاد الذّرائع لخطوته الانتحاريّة الأخيرة؟ ولماذا يُؤكّد أشهَر مُؤرّخٍ إسرائيليٍّ هزيمة تل أبيب الحتميّة وانتِصار “حماس”.. وما هي أدلّته..!

6٬878

أبين اليوم – مقالات وتحليلات 

تحليل/ عبدالباري عطوان:

مُنذ أكثر من شهرين وبنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي يُهَدّد، وبصفةٍ شِبه يوميّة، باقتِحامِ مدينة رفح جنوب قطاع غزة، وجاء آخِر هذه التّهديدات اليوم الأحد عندما قال “لن يمنعنا أيّ قدرٍ من الضّغوط الدوليّة من المُضيّ قدمًا في الهُجوم البرّي المُخطّط له على رفح، لتحقيق كُل أهداف الحرب وهي القضاء على حركة “حماس” والإفراج عن جميع الرّهائن، وضمان أنّ لا تُشكّل غزة أيّ تهديدٍ لإسرائيل بعد الآن”.

لو كان نتنياهو قادرًا على المُضيّ قُدُمًا في تنفيذ هذا الهُجوم لما تأخّر يومُا واحدًا، ولكنّه يُدرك جيّدًا أنّه قد يكون نهايته، وبداية النّهاية لوجود دولة الاحتِلال لأسبابٍ عديدةٍ يُمكن تلخيصها في النقاط التالية:

أوّلًا: الجيش الإسرائيلي مُنهَكٌ، ومُنهارٌ، ومُستَنزف من إطالة أمد الحرب ودُخولها الشّهر السّادس دون تحقيق أيٍّ من أهدافها، وتعاظم الخسائر البشريّة في صُفوفه، ورفض المِئات من جُنوده الخدمة في القطاع حتى لا يعودوا إلى ذويهم في أكياسٍ بلاستيكيّةٍ سوداء.

ثانيًا: الهدف الرئيسي من اجتياح الجيش الإسرائيلي لمدينة رفح هو مُحاولةٌ لتحقيقِ الهدف الأساسيّ من الحرب وهو تهجير أكثر من مِليون ونِصف المِليون فِلسطيني من أبناء القطاع إلى صحراء سيناء بات تحقيقه مُستحيلًا لرفض الغالبيّة السّاحقة من الفِلسطينيين له، واستِعدادهم للشّهادة على مُغادرة أرضهم ووطنهم، علاوةً على مُعارضةٍ “شِبه جماعيّة” لهذا التّهجير في مُعظمِ دُوَل العالم.

ثالثًا: فشل سياسة التّجويع، وحرب الإبادة، في تثوير الحاضنة الشعبيّة “الغزّيّة” للانقِلاب على حركة “حماس” وشُركائها في المُقاومة، وما حدث هو العكس تمامًا، فهذه الحاضنة الوطنيّة أسقطت كُل المشاريع الإسرائيليّة والأمريكيّة في مُحاولاتها لإيجاد بديلٍ للحركة في مرحلةِ ما بعد انتِهاء الحرب، ولعلّ حالة الرّفض الغاضب لمشروع “روابط القُرى”، وحُكم العشائر والمخاتير للقطاع الذي جرى وأدُه وهو نطفة، هو أبرز الأمثلة في هذا الصّدد.

رابعًا: تصاعد الكراهية للصهيونيّة واليهود المُنخَرطين فيها في مُعظم أنحاء العالم، وتصاعد المخاوف وحالة الرّعب في أوساط اليهود من انعكاس هذه الكراهية ضدّهم، وترجمتها على شكلِ أحداثِ عُنفٍ من قِبَل الغاضبين من المجازر والتّطهير العرقيّ، التي يُمارسها جيش الاحتلال ضدّ عشَرات الآلاف من الأطفال والنساء والمُسنّين وذويهم في قطاع غزة، وتدميره للمُستشفيات والمدارس والمنازل، ومنع وصول المُساعدات الإنسانيّة لتجويعهم وتحويل حياتهم إلى جحيم.

خامسًا: ربّما يكون “سهلًا” لقوّات الجيش الإسرائيلي ومُدرّعاته اقتِحام المُدُن والقُرى في القطاع، ولكن السّيطرة على هذه المُدُن، والبقاء فيها مُستحيل، بسبب الفِخاخ التي ينصبها رجال المُقاومة، لقنص جُنود الاحتِلال ودبّاباتهم، في إطار “حرب عصابات” مُتطوّرة جدًّا تتبنّاها حركات المُقاومة عالية الاستِعداد، والأكثر خبرة، وأشَدُّ بأسًا في هذا الميدان، فحتّى الآن جرى تدمير أكثر من 1270 دبّابة مُدرّعة وحاملة جُنود، وقتل وإصابة الآلاف.

باقتِحامه مدينة رفح لن يُواجه نتنياهو وجيشه المُقاومة الفِلسطينيّة ورِجالها فقط، وإنّما العالم بأسْرِه الذي حذّرت مُعظم دُوَلُه ومُنظّماته الدوليّة والإنسانيّة من هذا الاقتِحام، على عكسِ التّأييد الذي حظي به مثيله للقطاع في بداية الحرب تحت ذريعة حقّ إسرائيل في الدّفاع عن النّفس، وهي ذريعةٌ لم تُعَمّر إلّا لأيّامٍ معدودة بعد أن سقط القناع عن الأهداف الحقيقيّة الإسرائيليّة للغزو، وهي إبادة الشّعب الفِلسطيني وضمّ القطاع، والاستِيلاء على ثرواته الغازيّة الضّخمة.

لا نحتاج إلى شهادة الجِنرال الإسرائيليّ المُتقاعد إسحق بريك ليقول لنا إنّ إسرائيل خسرت الحرب، وإنّ جبهتها الداخليّة غير مُستعدّة لحربٍ إقليميّة في لبنان واليمن والعِراق، التي ستكون أخطر بآلاف المرّات من حربِ غزة، ولا نحتاج أيضًا لاعتراف المُؤرّخ الإسرائيلي الشّهير البروفيسور يوفال نوح هراري بأنّ حركة “حماس” انتصرت وحقّقت مُعظم أهدافها في هذه الحرب، فالفائز، على حدّ قوله “ليس بالضّرورة هو الشّخص الذي يقتل المزيد من النّاس أو يأخُذ المزيد من السّجناء، أو يُدمّر المزيد من المنازل، أو يحتل المزيد من الأراضي.. الفائز هو الذي يُحقّق أهدافه السياسيّة، وحماس فعلت ذلك، وخاصَّةً إفشالها بهُجوم السّابع من أكتوبر اتّفاق التّطبيع بين إسرائيل والمملكة العربيّة السعوديّة، وتدمير أيّ فُرصة في المُستقبل للسّلام بين اليهود والعرب.. لقد حقّقت أكثر بكثير ممّا كانت تأمَل”.

من يُوافق على إرسال مُدير مُخابراته إلى الدوحة لبحث اتّفاق هدنة بشُروط “حماس” وقيادتها المُسيطرة في القطاع، لا يُمكن أن نُصدّق أنه يستعدّ لاقتِحام مدينة رفح، اللّهمّ إلّا إذا كان يُريد تخريب المُفاوضات وتحدّي العالم بأسْرِه، وأمريكا الأُمّ الحنون، وقتل المزيد من أسراه الذين يدّعي سعيه للإفراج عنهم.

نتنياهو سيخرج حتمًا مهزومًا ومطرودًا، سواءً جرى التوصّل إلى اتّفاق الهدنة أو عرقلته للمُضيّ قُدُمًا في الهُجوم، على عكس حركة “حماس” وكتائب المُقاومة الأُخرى التي ستخرج مُنتصرة في الحالين، لأنّ نَفَسَها طويل، وأفخاخ ومصائد حرب عِصاباتها مُعدّةٌ بإحكام، والتّاريخ يقول إنّه لم تَخُض حركة تحرير “حرب عصابات” ضدّ أعدائها، إلّا وخرجت مُنتَصرة، ولن تكون المُقاومة في غزة استِثناء، واسألوا أمريكا في أفغانستان والعِراق وفيتنام، وتذكّروا نهاية فرنسا في الجزائر، أو دولة النّظام العُنصري في جنوب إفريقيا.. والقائمةُ طويلةٌ جدًّا، والتّاريخ بكُلّ عُصوره حافلٌ بالكثير الكثير من الأمثلة المُشرّفة.

 

المصدر: رأي اليوم