دور الشركات العائلية في الاقتصاد الألماني

4٬604

أبين اليوم  – مقالات  

بقلم / د. أشواق محمد

  يقود الاقتصاد الألماني فئة من الشركات العائلية الصغيرة إلى المتوسطة إلى الكبيرة الحجم التي تتبع شعار رأس  الصبور. وتشكل الشركات العائلية العمود الفقري للاقتصاد الألماني الذي يعد رابع أكبر اقتصاد في العالم بإجمالي ناتج محلي 3.69 تريليون دولار.
هذه الشركات تستحوذ على 90% من الشركات الألمانية، وتضم قائمة طويلة من الشركات العملاقة مثل فولكسفاجن وهنكل وبوش، وميرك، وأوتكر، وميلي، وبي إم دبليو، وينجلمان.
تتمتع الشركات العائلية بمراكز مالية قوية وشبكات عمل واسعة تغطي منها العديد من أنحاء العالم، وتقود قطاعات عالمية.
يوضح جورج بلاها ، الباحث في Stiftung Familienunternehmen [مؤسسة الشركات العائلية في ألمانيا وأوروبا]: “مقارنة بالعديد من الدول الصناعية الأخرى ، هناك عدد مذهل من الشركات العائلية الكبيرة جدًا في ألمانيا. لدرجة أن 41 ٪ من جميع الشركات الكبيرة في البلاد مملوكة للعائلة. من بين أكبر 500 شركة عائلية في ألمانيا ، تبلغ مبيعات 170 شركة أكثر من 1 مليار يورو (1.14 مليار دولار). أشهرها فولكس فاجن ، ألدي ، هنكل ، وبيرتيلسمان . وهم يعملون على نطاق مختلف تمامًا عن العديد من الشركات في Mittelstand “.

لكن ما سر نجاحهم؟

يقول بلاها إن جزءًا منه يتعلق بالتاريخ والثقافة. في العقود التي أعقبت عام 1945 ، عندما انتعش الاقتصاد الألماني من إعادة بناء البلد الذي مزقته الحرب ، ساعد المارك الألماني بأقل من قيمته الشركات العائلية على النمو من خلال الصادرات. في الوقت نفسه ، استخدمت الحكومة الألمانية الحوافز الضريبية لتشجيع النمو في الأسواق التي تعتقد أن لديها إمكانات نمو. ساعد هذا الإرث ألمانيا على إنتاج قطاع تصنيع يبلغ حجمه ضعف حجم المملكة المتحدة اليوم ، وفقًا للبنك الدولي.

أسرار الشركات العائلية

الصراعات والتنافس على قيادةإمبراطوريات البيزنس أحد علامات العديد من الشركات العائلية في ألمانيا، خاصة بين الأجيال التي تخلف الجيل الأول من الأباء المؤسسين.
أن الصراع يقوم في الأغلب على خلافة قيادة الشركة، يقول هيرمان سيمون، وهو مستشار إداري للعديد من المؤسسات القوية في الشركات المتوسطة الحجم في ألمانيا، إن “الخلافة هي أكبر مشكلاتهم”،ما يؤثر سلبا على قيمتها، والتعرض لمخاطر التقسيم أو الإفلاس أو الاستحواذ عليها من جانب المنافسين.
ويقول أريست فون شليبي من معهد ويتنر للشركات العائلية، إن الصراع يجمع عادة بين قيادة العائلة واختيار نشاط تجاري معين.
ويضرب مثالا بقيام مؤسس أحد الشركات العائلية بالترتيب لأن يؤول ورثه بالتساوي بين أبنائه الأربعة، مع حثهم على الحصول على المؤهلات اللازمة لتولي أحدهم رئاسة الشركة، ومن هنا ينطلق الصراع، بحسب مجلة الإيكونوميست.
ومن بين نماذج الصراع أسرة مجموعة فولكسفاجن، حيث أن أبناء فرديناند بيتش، الرئيس السابق للمجموعة، من 3 زيجات مختلفة تجمعهم ساحة المحكمة مع زوجته الأخيرة، بشأن النزاع على ثروة تبلغ 1.8 مليار دولار.
كما أن أسرة رودولف أوجست أوتكر حفيد مؤسسة مجموعة إنتاج البودنج، تشهد دخول الأبناء الخمسة من الزوجة الأولى في خلاف لمدة سنوات مع أبنائه الثلاثة من زوجته الثالثة.
وعادة تتوقف حدة الخلاف على مدى اهتمام أفراد الأسرة بالعمل، فكلما انخفض عدد الأشخاص الذين يتطلعون لإدارة الأعمال يقل الصراع والعكس صحيح، فضلا عن ارتباط الأمر بعدد الزيجات والتي تسفر عن أبناء من عدة أمهات.

ميثاق عائلي

تحاول بعض الأسر الألمانية السيطرة على الموقف، عبر سن مواثيق داخلية تنظم علاقات العائلة، مثل تنظيم معكسرات للأطفال وتخصيص منزلا للعائلة وفي الأغلب يكون بيت مؤسس المجموعة، وتنظيم يوم تجمع عائلي سنويا.
ومن النماذج المضيئة عائلة هانييل الألمانية التي تضم 680 فردا، ولديهم دستور عائلي مكون من 80 صفحة، يحظر عمل أو تدريب أي شخص من الأسرة بالشركة، تفاديا للنزاع.
– تتعرض الشركات العائلية الالمانية لانتقادات حول مستوى تمثيل المرأة في الشركات العائلية حيث
نشرت مؤسسة أولبرايت تقريرًا بعنوان “الشركات العائلية الألمانية: غنية بالتقاليد ومفتقرة إلى النساء” في إشارة إلى أنّ أن “فهم القيادة في بعض الأحيان قديم قدم الشركات نفسها”.
فالمرأة ما تزال بعيدة عن تقلد المناصب القيادية وتبوأ مواقع صناعة القرار في هذه الشركات بحسب التقرير .
وذكرت المؤسسة الألمانية السويدية غير الربحية، ومقرها في ستوكهولم وبرلين في تقريرها أنه لا يزال هناك الكثير للقيام به تجاه الشركات العائلية الألمانية الكبرى وتقلد النساء بها للمناصب القيادية. وذكر التقرير ان الأشخاص المتواجدين على قمة الشركات في الغالب ذكور، ألمان وكبار في السن.
ويصل هؤلاء إلى مناصبهم تلك بمساعدة شبكات العلاقات الشخصية في بعض الأحيان فيما يصعب على النساء تسلق سلم القيادة في مثل هذه الشركات ونتيجة لتلك السياسة التوظيفية تشغل النساء مابين 3-7% فقط من المناصب القيادية لأكبر مائة شركة مملوكة لعائلة ألمانية .
وفقاً للتقرير الصادر عن مؤسسة أولبرايت، فقد أدركت بعض هذه الشركات أوجه القصور وتحاول التصدي لها عن طريق أخذ النساء في عين الاعتبار عند تعيين موظفين جدد لديها.
ليس ذلك فحسب، الشركات الألمانية التي تتحكم فيها العائلات، متهمة أيضًا بتأجيج عدم المساواة في البلاد،واحكام السيطرة على الاقتصاد. وعدم المساواة بين الجنسين والتنوع يمثلان نقاط ضعف في ثقافات أعمالها الأسرية.
صندوق النقد الدولي ألقى بجزء من اللوم على الشركات العائلية في تزايد عدم المساواة في ألمانيا، وقال إن القليل من الشركات المملوكة للعائلات تسيطر على الاقتصاد الألماني، وهو أمر اعتبرته منظمة الشركات العائلية “سخيفًا”.

ورغم هذه الجوانب السيئة لبيزنس العائلات الألمانية، إلا أن هناك جوانب مشرقة للغاية، وهي :

-تتمتع الشركات الألمانية بسمعة حسنة نظرًا لقوتها وحكمتها.
-قدرتها على مواجهة الأزمات، ومنها جائحة كورونا بفضل وفرة احتياطي مالي ساعدها على الإنفاق على البحث والتطوير ووضع خطط عمل طويلة، على الرغم من تراجع المبيعات.
– نجحت الشركات الألمانية في صياغة وصفة للنجاحز خلال جائحة و كورونا، حيث استمرت في الإنفاق على البحث والتطوير حتى مع انخفاض المبيعات، وبنت احتياطيًا ماليًا حتى تتمكن من وضع خطة عمل طويلة الأجل.
ويشرح نيكو موهر، شريك ماكينزي للاستشارات، أن الشركات الألمانية المملوكة لعائلات تتمتع بنسب حقوق ملكية عالية، ما يساعدها على توفير دعم جيد لمساندة الشركات في الأوقات الحرجة.
– هذه الاستراتيجية تؤتي ثمارها لبعض الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي توفر ما يقرب من 60% من جميع الوظائف في ألمانيا، ولأن الكثير منها شركات عائلية، كان ذلك عامل قوة لها في رأي الخبراء.