“تقرير“| خيوط مؤامرة جديدة لضرب سيادة الاتصالات اليمنية وتعميق الانقسام الاقتصادي..!

7٬682

أبين اليوم – تقارير

في تطور جديد يمس جوهر سيادة الاتصالات الوطنية ويُعمّق مسارات الانقسام الاقتصادي في اليمن، أعلن فرع الشركة اليمنية للاتصالات الدولية “تيليمن”، التي تم استنساخ إدارتها من قبل حكومة عدن،  توقيع اتفاقية استراتيجية لإنشاء المحطة الأرضية للأقمار الصناعية “دومسات” في عدن.

هذه الخطوة، التي جرت فعاليات توقيعها في الرياض مع المؤسسة العربية للاتصالات الفضائية “عربسات” وشركة “يونيفرسال سات نت”، تحمل في طياتها ما هو أبعد من مجرد “توسيع للخدمات الرقمية”، بل تُعد حلقة جديدة ضمن سلسلة استهداف قطاع الاتصالات الحيوي في اليمن.

وقد زعمت “تيليمن” التابعة لحكومة عدن، في بيانها، أن المحطة ستوفر خدمات البث التلفزيوني الفضائي والاتصالات الخاصة وخدمات أخرى تستهدف قطاعات حيوية مثل البنوك والشركات الصغيرة والمتوسطة، والمؤسسات العسكرية والأمنية، تحت بند ذرائع “حلول اتصالية متقدمة وآمنة”.

التدمير بالاستثمار:

تأتي هذه الاتفاقية الجديدة لتؤكد استمرار التكامل في الأدوار السعودي-الإماراتي تحت غطاء “الاستثمار” والمشاريع التنموية، فيما يرى محللون ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي أنه استهداف ممنهج ومزدوج لقطاع الاتصالات؛ فمن جهة، استُهدف القطاع بالقصف العسكري المباشر.

يؤكد الخبير الاقتصادي اليمني رشيد الحداد، في حديث إلى وكالة الصحافة اليمنية، أن قطاع الاتصالات في اليمن يُعد من أهم القطاعات التي استُهدفت بشكل مباشر منذ فترة طويلة.
وجاءت آراء وتحليلات الحداد ضمن سياقين رئيسيين: استهداف البنية التحتية للقطاع، والإجراءات الحكومية المتعلقة بشركات الاتصالات.

الخبير الحداد: الإجراءات ضد شركات الاتصالات، ومحاولات نقل مقرات شركات الهاتف النقال إلى عدن، ممارسات تعمق الانقسامات الاقتصادية والحصار الاقتصادي

إستهداف البنية التحتية والخدمات:

يشير الحداد إلى أن الاستهداف الذي طال قطاع الاتصالات اتخذ أشكالاً مختلفة، منها، القصف العسكري المباشر، حيث جرى استهداف القطاع بشكل مباشر عبر القصف العسكري، الذي وصل إلى المئات بل الآلاف من الغارات.

وإلى ذلك يرى الحداد أن استهداف هذا القطاع أصبح اليوم هدفاً مشتركاً للجانب الأمريكي والسعودي والإماراتي، بما في ذلك استهداف أبراج الاتصالات في عدد من المحافظات.

ويعتبر الحداد أن استهداف هذا القطاع هو استهداف لما تبقى من حيوية للاقتصاد الوطني والبنية التحتية والقطاع الخدمي الذي يخدم جميع اليمنيين. كما يربط هذا الاستهداف بوجود رغبة في عدم التوجه نحو السلام.

– إجراءات ضد شركات الاتصالات:

انتقد الحداد بشدة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة في عدن ضد شركات الاتصالات الخاصة، لا سيما قرار إغلاق شركة الاتصالات اليمنية – العُمانية “يو” (التي كانت سابقاً “إم تي إن” و”سبيستل”)، معتبراً أن هذه الإجراءات تندرج ضمن سعي لـتعزيز الانقسام الاقتصادي والخدمي في البلاد.

وأكد الحداد أن قرار إغلاق شركة مساهمة وإيقاف خدماتها يمثل مخالفة قانونية صريحة لـ “قانون الشركات التجارية اليمني”، ونبه إلى أن إيقاف الشركة يسيء إلى سمعة وبيئة الاستثمار في مدينة عدن، ويجعلها مدينة طاردة للاستثمارات المحلية والأجنبية.

وأشار إلى أن قرار السلطات في عدن بـقطع خدمات شركة “يو”، التي يستفيد منها نحو 70% من السكان في المدينة، تسبب بـمتاعب كبيرة للمواطنين وفرض عليهم عزلة، خاصة في ظل غياب بدائل قوية، حيث أن شركة “عدن نت” الحكومية تفشل في تغطية المدينة بشكل كافٍ.

تفاقم الانقسام الاقتصادي:

أدرج الحداد الإجراءات ضد شركات الاتصالات، بالإضافة إلى محاولات نقل مقرات شركات الهاتف النقال إلى عدن، ضمن سياق الممارسات المتعلقة بتعميق الانقسامات الاقتصادية والحصار الاقتصادي، واستهداف الاقتصاد الوطني واليمنيين بشكل عام.

وبالفعل، يتم الآن استهداف القطاع عبر خطوات غير مباشرة تحت مسمى “المشاريع”، والتي تُعتبر امتداداً لسجل حافل بـ”انتهاك خصوصية اليمنيين” والتحكم بالبيانات الوطنية؛ فكما تذكر مصادر عديدة، تأتي صفقة “دومسات” الجديدة بعد صفقة بيع شركة “عدن نت” لشركة “إن إكس تكنولوجي” الإماراتية، حيث مُنحت الشركة الإماراتية نسبة 70% من بوابة الاتصالات وسُمح لها بالاستحواذ على السعات التراسلية الدولية والتحكم بالبنية التحتية للاتصالات والإنترنت في جنوب وشرق اليمن، مما منحها “قدرة على المراقبة والتجسّس على كافة مستخدمي شبكة الاتصالات وليس المشتركين بخدمات الشركة حصراً”.

هذا ما أكدته موجة سخط يمني شعبي كبير عمت منصات التواصل الاجتماعي ووصْف البرلمان للصفقة آنذاك بـ“الكارثية والمخالفة للدستور والقوانين”.

تقويض الاقتصاد الوطني:

اعتبر الخبير الاقتصادي رشيد الحداد أن استمرار استهداف هذا القطاع الحيوي هو تقويض لـ”الحيوية الاقتصادية” وما تبقى من البنى التحتية، ويربط هذا التصعيد الاقتصادي بالنوايا السياسية، مُشيرًا إلى أنه “يعكس رغبة بعدم التوجه نحو السلام، وخاصة من الجانب السعودي، ويُعد استثماراً لحالة ‘اللاحرب واللاسلم’ التي تعيشها اليمن منذ سنوات”.

كما أكدت سلطات صنعاء، في بيان عن وزارة الاتصالات في صنعاء، أن هذا النوع من التحركات هو “انتهاك صارخ لسيادة اليمن” و”يشكل تهديداً كبيراً لأمنه القومي”، وخاصة مع إدانتها لقرار الطرف الآخر بالسماح لشركة “ستارلينك” بتقديم خدمات الإنترنت الفضائي في المناطق المحتلة، وهو ما اعتبرته تهديداً مباشراً للأمن القومي اليمني وقدرة حماية خصوصية المواطنين وبياناتهم.

هذه التحركات تتزامن مع تصريحات غير رسمية في صنعاء تحمل لهجة تحذيرية قوية وفقما نشرت منصة “TNT”: “كل تحركاتكم مرصودة… اليمن لا يعلن كل ما يعرف. ولا ينتظر حتى تُكشف المؤامرات… بل يكشفها قبل أن تولد… كل من تم تجنيده… معلّق في ميزان القصاص، ينتظر صفارة الحساب”.

الأبعاد الرقابية والاستحواذ الشامل:

في سياق الكشف عن الأهداف الحقيقية لاتفاقية “دومسات” في عدن، ينتقل التحليل من الإطار العام إلى التفاصيل الدقيقة للأهداف الرقابية والتحكمية التي تسعى إليها هذه المحطة، يُسلّط الخبير الاقتصادي سليم الجعدبي الضوء على الأهداف الحقيقية للاتفاقية، مؤكداً أنها لا تقتصر على تقديم خدمات عادية، بل تهدف إلى “السيطرة والتحكم في الربط الصاعد لبث القنوات التلفزيونية الفضائية والتحكم ومراقبة الدوائر التلفزيونية المغلقة”، ليصبح آلية للسيطرة الكاملة على مفاصل الدولة والاقتصاد.

ويشير الجعدبي، إلى أن الأهداف الرئيسية للاتفاقية تكمن في التحكم والرقابة الشاملة على الربط الصاعد لـبث القنوات التلفزيونية الفضائية والدوائر التلفزيونية المغلقة (IP) والشبكات الخاصة، مما يمنح الأطراف الداعمة القدرة على إدارة المشهد الإعلامي والاتصالي الحساس.

أما على المستوى الخدمي والحيوي، فإن الأهداف تمتد لتشمل الربط الخلفي للهاتف المحمول وأنظمة الربط المباشر بين نقطتين (P2P) أو بين نقطة وعدة نقاط (P2MP)، وصولاً إلى اتصال البيانات والقياس عن بُعد. وهذا يعني السيطرة على حركة البيانات الأساسية للاتصالات اليومية، حد تعبير الجعدبي.

وتتعمق خطورة الأهداف لتصل إلى القطاعات المالية والخدمية؛ حيث تهدف المحطة إلى التحكم ومراقبة معاملات نقاط البيع، واتصال أجهزة الصراف الآلي، والإدارة المالية، والصحة. وبذلك، يتم فتح الباب أمام مراقبة تفاصيل الحياة المالية والخدمية للمواطنين والمؤسسات.

يؤكد الجعدبي أن أهداف الاتفاقية تستهدف بوضوح رقابة القطاعات الاقتصادية والرقابية الهامة، بما في ذلك النقل، ومتابعة أنشطة الشركات الصغيرة والمتوسطة، والبنوك، ومشغلي الهواتف المحمولة ومزودي خدمات الإنترنت اللاسلكية، وقطاعات النفط والغاز والتعدين، والمنظمات غير الحكومية. هذا الحجم الواسع من الاستهداف يرسخ قناعة بأن الصفقة هي أداة هيمنة رقابية تُغطي كافة الشرايين الحيوية للاقتصاد والمجتمع، لتؤكد أن الهدف هو الاستحواذ المعلوماتي لتعميق الانقسام وليس التنمية الخدمية.

حلقة في سلسلة العدوان:

يضع الخبير الجعدبي هذه الإجراءات في سياق الحرب الاقتصادية الشاملة التي انطلقت منذ مارس 2015، مُذكراً بأن هذه التحركات تأتي بالتزامن مع إجراءات أخرى قاسية، منها، الإجراءات المالية الأمريكية كإدراج وزارة الخزانة الأمريكية لشركات القطاع الخاص ومستوردي المشتقات النفطية في قائمة الحظر، وإعلان الحرب على البنوك، ومحاولة فرض شركة الرقابة المالية الإسرائيلية “K2 Integrity” على النظام المالي والمصرفي اليمن.

يشير الجعدبي إلى أن الحرب الاقتصادية تنوعت أوجُهها، بما في ذلك نهب إيرادات النفط التي “تعدت مبلغ 32 مليار دولار” ووُرِّدت إلى البنك السعودي الأهلي قبل قرار منع النهب، وهو مبلغ كان يكفي “مرتبات أبناء الشعب اليمني لـ 8 سنوات”.

ويضيف الجعدبي: من خلال الطباعة النقدية المفرطة التي “تعدت 5.3 ترليون ريال يمني”، في محاولة لتدمير الريال اليمني أمام الدولار، وهو تهديد سبق وأن عبّر عنه الأمريكي بأنه “سيجعل الريال اليمني لا يساوي قيمة الحبر المطبوع عليه”.

وفي المقابل، أكد الجعدبي أن سلطات صنعاء “نجحت في مواجهة جميع أوجه الحرب الاقتصادية”، ما جعل “الوضع الاقتصادي في مناطق حكومة التغيير والبناء أفضل” من مناطق الطرف الآخر، التي تحولت إلى “قطعة من جهنم” من حيث ارتفاع الأسعار وانقطاع الخدمات.

الخبير الجعدبي: الأهداف الرئيسية للاتفاقية تكمن في التحكم والرقابة الشاملة على الربط الصاعد لـبث القنوات التلفزيونية الفضائية والدوائر التلفزيونية المغلقة (IP) والشبكات الخاصة

المواجهة بالتصعيد وتأكيد السيادة:

هذه الاتفاقية، وفق تصريحات الرئيس التنفيذي لتيليمن التابع لحكومة عدن الموالية للتحالف، عبدالسلام السلفي، لـ”المشاهد”، تهدف ظاهرياً إلى إنشاء نظام اتصالات مستقل عبر الأقمار الصناعية للتحرر من سيطرة البنية التحتية في صنعاء، لكنها تضع اليمن أمام تحدٍ جديد يُعمّق الانقسام الاقتصادي ويسعى لإحكام القبضة على قطاع حيوي، لتؤكد أن رغبة الطرفين السعودي والإماراتي تتركز في تدمير ما تبقى من بنى تحتية خدمية واقتصادية في اليمن، عبر بوابة الاستحواذ والتجويع الاقتصادي، بدلاً من التوجه نحو السلام الذي تتغنى به سلطات الاحتلال في المحافل الدولية.

توقيت هذه التحركات يؤكد أن الأطراف المعادية لصنعاء ماضية في “استثمار حالة اللاحرب واللاسلم” لتقويض الاقتصاد الوطني. وأن هذا الاستهداف الممنهج لقطاع الاتصالات (عبر القصف أولاً، وعبر الهيمنة ثانياً) يؤكد أن رواية الكيان الإسرائيلي وأذياله بشأن “الحرص على السلام” هي رواية ساقطة لا تتسق مع الواقع.

في هذا السياق، تظل صنعاء ماضية في الدفاع عن مصالح وسيادة اليمن، مؤكدةً جاهزيتها لمواجهة أي تصعيد بـالتصعيد، وكذا رد الخطوة بالمثل كما تتعامل مع أمريكا، من خلال إدراج شركات النفط الأمريكية في قرار الحظر اليمني.

 

المصدر: وكالة الصحافة اليمنية

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com