خطة بايدن اليمنية: إنقاذ الأمن القومي السعودي ..بقلم/ ليلى نقولا
718
Share
بقلم / ليلى نقولا
يمكن اعتبار أن خطة بايدن الجديدة سيكون عنوانها “إنقاذ السعودية”، وخصوصاً بعدما تبيّن أن نتائج الاستراتيجية السعودية المطبقة منذ العام 2015، والهادفة إلى ضمان أمنها، أدّت إلى إضعاف الأمن القومي السعودي أكثر، وباتت بحاجة إلى إعادة مراجعة جذرية.
في كلمة متوقّعة، أعلن الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن أنَّ “الحرب في اليمن يجب أن تتوقف”، مُعلناً أن بلاده ستتوقف عن دعم أي عمليات عسكرية وصفقات أسلحة مرتبطة بالهجوم السعودي على اليمن، ومؤكداً أن ما حصل في ذلك البلد “كارثة استراتيجية”. في المقابل، أكد أن بلاده ستواصل دعم السعودية للدفاع عن أمنها وسيادتها ومواطنيها.
وكانت السعودية قد بدأت تدخلها العسكري المباشر في اليمن أو ما أسمته “عاصفة الحزم” في 25 آذار/ مارس من العام 2015، رداً على تحقيق جماعة “أنصار الله” انتصارات واسعة في الداخل اليمني ودخولهم إلى صنعاء بعد نشوب الاقتتال الأهلي، وأنشأت تحالفاً من عدة دول عربية أطلقت عليه اسم “التحالف العربي”، وشاركت الولايات المتحدة وبريطانيا في تقديم الدعم اللوجستي، كما شاركت العديد من الدول الغربية في بيع الأسلحة المستخدمة في تلك الحرب.
أدت الحرب والقصف غير المسبوق من قبل التحالف إلى مجاعة ونقص في الغذاء والدواء والمواد الحيوية ومقتل أعداد كبيرة من المدنيين، وخصوصاً الأطفال، ما جعل الأمم المتحدة تصف الوضع في اليمن بـ”أسوأ كارثة إنسانية في العصر الحديث على الإطلاق”.
وهكذا، يمكن اعتبار أن خطة بايدن الجديدة سيكون عنوانها “إنقاذ السعودية”، وخصوصاً بعدما تبيّن أن نتائج الاستراتيجية السعودية المطبقة منذ العام 2015، والهادفة إلى ضمان أمنها، أدّت إلى إضعاف الأمن القومي السعودي أكثر، وباتت بحاجة إلى إعادة مراجعة جذرية. ويمكن أن نشير إلى أن الفشل السعودي ارتبط بأسباب عدّة أهمها:
غياب الوضوح في تعريف الأمن القومي
من وجهة نظر السعودية، كان نجاح “أنصار الله” في السيطرة على صنعاء وعلى العديد من المناطق اليمنية، انقلاباً مدعوماً من إيران على حدودها الجنوبية، وبالتالي عليها التحرك لضمان الأمن القومي للمملكة.
بالتأكيد، من الناحية الأمنية والعسكرية المطلقة، يشكّل تغيّر ميزان القوى الاستراتيجي في بلد مجاور للسعودية خطراً على الأمن القومي السعودي، وخصوصاً في ظل وضع إقليمي ضاغط وتنافس محموم في الخليج على اكتساب القوة، وخصوصاً بعدما تمّ توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الست في العام 2015 أيضاً.
وهنا، تكمن المشكلة في استخدام السعودية للتعريف التقليدي للأمن القومي، والذي ساد في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، وربط الأمن القومي بالتهديد العسكري، أو كما عرّفه والتر ليبمان (1943): “تتمتّع الدولة بالأمن عندما لا تضطر إلى التضحية بمصالحها المشروعة لتجنّب الحرب، وتكون قادرة على الحفاظ على مصالحها من خلال الحرب إذا شعرت بالتهديد”.
لكن الأمن القومي بمفهومه الحديث لم يعد يقتصر على الحروب والقوة العسكرية، بل يتمّ تعريفه بأنه مزيج متناسب من “المرونة، والنضج السياسي، والموارد البشرية، والقدرة الاقتصادية، والكفاءة التكنولوجية، والقاعدة الصناعية، وتوافر الموارد الطبيعية، وأخيراً القوة العسكرية” التي تؤدي إلى حفظ الدولة واستقلالها ومواردها وبقائها ونفوذها الإقليمي.
من هنا، فإن الأمن القومي السعودي – حتى بمعناه التقليدي – لم يتم حفظه بعد حرب اليمن، فاليوم، وبعد ست سنوات على بدء تلك الحرب، حققت الإمارات العديد من الأهداف الاستراتيجية، وسيطرت على الممرات البحرية، وعززت مكانتها الإقليمية، بينما لم تحقق السعودية مكاسب واضحة، فقد أنفقت مليارات الدولارات، وعرّضت سمعتها الدولية للاهتزاز بسبب المجازر التي حصلت، وتعرّض الأمن القومي السعودي للخطر الشديد، بعدما استمر “أنصار الله” في استخدام الطائرات من دون طيار في قصف المدن والمطارات والبنى التحتية السعودية.
غياب العقلانية
يؤمن العلم السياسيّ وعلم العلاقات الدولية أن صانع القرار في الدولة هو شخص عقلاني، أي أنه عندما يواجه أزمة ما، فإنه يجمع المعطيات الكافية حولها، ويضع البدائل المختلفة فيدرسها، ليختار من بينها ما هو أقل كلفة وأكثر ربحاً.
في هذا الإطار، بدا صانع القرار السعودي وكأنه يؤمن بأن السياسة “لعبة صفرية”، أي أنه لا يستطيع أن يذهب إلى خيار حرب بلا نهاية إلا تحت إطار “قاتل أو مقتول”، علماً أنه، منذ البداية، كان واضحاً من خلال اعتماد نظرية الخيار العقلاني أن خيار الحرب على اليمن هو خيار مكلف مادياً وبشرياً وإنسانياً، وبالتالي كان بإمكان صانع القرار السعودي، في معرض اختيار الوسائل الأنسب للردّ على التهديدات المتأتية من الاقتتال الأهلي اليمني، أن يختار طريق الدبلوماسية ورعاية حوار يمني – يمني، كما فعل سابقاً حين رعت السعودية “المبادرة الخليجية” في العام 2011، والتي أمّنت انتقالاً سلساً للسلطة بعد الثورة على علي عبد الله صالح.
واقعياً، لو اختارت السعودية أن تقوم مقام “الأخ الأكبر” لليمنيين، وأن ترعى حواراً يمنياً – يمنياً يؤدي إلى توزيع عادل للسلطة بين القوى اليمنية المتصارعة، وقامت بدفع جزء من الأموال الطائلة التي أنفقتها في الحرب على تنمية اليمن والاستثمار في البنى التحتية والمدارس ومساعدته اقتصادياً واجتماعياً، لاستطاعت أن تحفظ أمنها القومي التقليدي (حماية أراضيها وحدودها من التهديدات)، وأن تجعل اليمن دولة صديقة، لا بل كان من الممكن أن تجعله دولة حليفة تدور في الفلك السعودي.
عسى أن تكون خطة بايدن اليوم وتقييم الخسائر التي تكبّدتها السعودية في حرب اليمن باباً لفهم أوسع للأمن القومي الخليجي، فالسلام والتعاون المتبادل يمكن أن يحقّقا الأمن للجميع.