“تقرير خاص“| شبوة في قلب صراع القوى الإقليمية: الإمارات والسعودية والولايات المتحدة على أرض واحدة..!
أبين اليوم – خاص
تستمر محافظة شبوة، الواقعة في جنوب اليمن، في جذب الأنظار الإقليمية والدولية كإحدى أكثر المناطق الاستراتيجية في اليمن نظرًا لما تحويه من ثروات طبيعية هائلة، وخاصة الغاز والنفط.
في خضم الصراع اليمني المعقد، تتعدد الأطراف الفاعلة وتتنوع مصالحها، ما يجعل شبوة ساحة معركة سياسية وأمنية واقتصادية بين القوى الإقليمية والدولية. وفي الآونة الأخيرة، تصاعدت التحركات الإماراتية في المحافظة بشكل لافت، ما يثير تساؤلات عن الدور المتزايد لدولة الإمارات في جنوب اليمن، وسعيها لتحقيق مصالح استراتيجية على المدى الطويل في ظل استمرار غياب الاستقرار.
– التحركات الإماراتية في شبوة:
تسعى الإمارات، عبر سلسلة من التحركات السياسية والدبلوماسية، إلى ترسيخ نفوذها في شبوة، خاصة في ظل الموقع الاستراتيجي للمحافظة التي تضم أكبر منشآت الغاز اليمنية. في يوم الأربعاء الماضي، كثّفت أبوظبي جهودها في الملف اليمني من خلال سلسلة لقاءات واجتماعات كان أبرزها اللقاء الذي جمع السفير الإماراتي لدى اليمن، محمد الزعابي، مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي.
وفي هذا اللقاء، طرح العليمي مجموعة من الشروط أمام الإمارات، كان أبرزها ضرورة التزام أبوظبي بصرف مرتبات موظفي الدولة في المناطق الجنوبية، بالإضافة إلى الدعم الاقتصادي لحكومة عدن، في مقابل استمرار دور الإمارات في إدارة شبوة.
يظهر هذا الشرط – الذي يعد اقتصاديًا في ظاهره – أنه يتجاوز الحدود المالية ليعكس رغبة العليمي في استغلال النفوذ الإماراتي لتحقيق التزامات سياسية تهدئ الأوضاع في مناطق سيطرته، وتُخفف من حدة الضغط الشعبي المتصاعد ضد حكومته، لا سيما في ظل الأزمات الاقتصادية التي يواجهها الجنوب.
– مصالح الإمارات في شبوة:
التحركات الإماراتية في شبوة تتجاوز مجرد الشروط الاقتصادية التي عرضها العليمي. فالهدف الاستراتيجي للإمارات في شبوة يبدو واضحًا؛ وهو تحقيق حضور طويل الأمد في المناطق التي تحتضن الثروات النفطية.
الإمارات، التي تمتلك علاقات مع العديد من الفصائل المحلية مثل “الانتقالي الجنوبي” وقيادات قبلية وعسكرية موالية لها، تحاول ضمان السيطرة الفعلية على هذه المنطقة الغنية، في محاولة لإرساء نموذج إداري وأمني يتماشى مع مصالحها الاقتصادية والأمنية في الموانئ ومناطق الطاقة.
في السياق نفسه، تُظهر المؤشرات أن الإمارات تسعى لتعميق تحالفاتها مع الفصائل المحلية لضمان استمرارية نفوذها في شبوة، وتحقيق أهدافها بعيدا عن سيطرة الحكومة المركزية في صنعاء أو عدن.
– الدور الدولي.. الأمم المتحدة والولايات المتحدة:
الدور الدولي في شبوة يظل مؤثرًا، خاصة مع دخول الأمم المتحدة في المشهد عبر المبعوث الأممي هانس غروندبرغ. ففي خضم التحركات الإماراتية، عقد غروندبرغ سلسلة من الاجتماعات مع مسؤولي حكومة اليمن والإمارات، بما في ذلك وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش وعضو المجلس الرئاسي عبدالله العليمي.
رغم تصريحات المبعوث التي تشير إلى أن محادثاته تركز على التوافق الإقليمي حول الملف اليمني، تزامن اللقاء مع الحراك الإماراتي في شبوة يدل على أن الأمم المتحدة قد أصبحت جزءًا من مسار التوازنات الإقليمية، لا مجرد راعٍ للسلام.
من ناحية أخرى، استمر الضغط الأمريكي في المنطقة، حيث عادت واشنطن لاستخدام ورقة “مكافحة الإرهاب” عبر تنفيذ غارات جوية ضد أهداف يُزعم أنها تابعة لتنظيم القاعدة في شبوة.
هذه التحركات العسكرية تشير إلى أن الولايات المتحدة لا تزال متمسكة بمسار مكافحة الإرهاب كأداة رئيسية في سياستها باليمن، لكنها في نفس الوقت تُوازن بين مصالحها مع الإمارات والسعودية في إعادة ترتيب النفوذ في الجنوب.
– التنافس السعودي – الإماراتي في شبوة:
في الوقت الذي تسعى فيه الإمارات لتثبيت نفوذها في شبوة، يبدو أن السعودية أيضاً تمتلك حساباتها الخاصة في المنطقة. ومع تزايد الحديث عن إعادة هيكلة القيادات المحلية في شبوة، أثيرت تكهنات حول احتمال إقالة المحافظ عوض العولقي المحسوب على حزب المؤتمر الشعبي، وتعيين علي الجبواني مكانه.
هذا التغيير المحتمل يعكس التصعيد السياسي بين الرياض وأبوظبي، حيث تسعى كل دولة لتحقيق أكبر قدر من التأثير في المناطق النفطية الحيوية في جنوب اليمن.
– التحديات المستقبلية وصراع المصالح:
تعد شبوة اليوم ساحة اختبار حقيقية للمرحلة القادمة في اليمن، حيث تحاول القوى الإقليمية والدولية إعادة رسم خرائط النفوذ. فبينما تسعى الإمارات إلى الاحتفاظ بالسيطرة على المحافظات النفطية عبر وكلائها المحليين، تتطلع الولايات المتحدة إلى ضمان تدفق الموارد النفطية إلى حكومة عدن من أجل تحقيق الاستقرار المالي. هذه الديناميكيات توضح أن الصراع على شبوة لا يتعلق فقط بالثروات الطبيعية، بل يشمل أيضًا الصراع الأوسع بين الرياض وأبوظبي، إلى جانب التوترات الداخلية في اليمن.
– وعليه يمكن القول:
لا شك أن محافظة شبوة، بثرواتها النفطية والغازية، أصبحت اليوم مركزًا للصراع الإقليمي والدولي. وتستمر الإمارات في تعزيز نفوذها في هذه المحافظة الاستراتيجية عبر تحالفات محلية وتحركات دبلوماسية، في حين تستفيد الولايات المتحدة من ورقة مكافحة الإرهاب للحفاظ على توازن القوى في المنطقة.
في خضم هذه المعادلات المعقدة، يبقى مصير شبوة رهنًا بمسارات التفاوض والتوافقات بين الأطراف المختلفة، وهو ما ينعكس في مستقبل اليمن الذي يسعى للإفلات من شبح الحرب عبر علاقات اقتصادية وأمنية معقدة تشكل ملامح مرحلة ما بعد الحرب.