“تقرير خاص“| حضرموت على حافة مواجهة إقليمية.. قراءة في تصاعد التوتر بين الإمارات والسعودية..!
أبين اليوم – خاص
تشهد حضرموت، أكبر محافظات اليمن مساحةً وعمقًا جغرافيًا وثقلاً اقتصاديًا، تحولات متسارعة تقودها دوافع إقليمية تتجاوز إطار الصراع المحلي. فالتوتر بين السعودية والإمارات بلغ ذروته خلال الأيام الأخيرة مع انتقال الصدام من التصريحات والضغوط السياسية إلى التحشيد العسكري العلني، ما وضع المحافظة على مسار تصعيدي قد يغيّر خريطة النفوذ في الشرق اليمني.
تطوّر الأحداث من مجرد تحركات عسكرية متفرقة إلى تمترس قبلي واسع في المكلا والهضبة النفطية، يشير إلى أن حضرموت مقبلة على منعطف مفصلي في الصراع الإقليمي على الموارد وممرات النفوذ.
أولًا: المشهد الميداني – انتقال الصدام إلى قلب المكلا:
1. القبائل تحكم السيطرة على المرتفعات المحيطة بالمكلا:
بدأت قوات “حلف القبائل” التابع للسعودية بالانتشار في الجبال المطلة على المكلا غربًا، وسُجل انسحاب تكتيكي من نقاط مثل “الرجيمة” باتجاه مواقع أكثر فاعلية في الرصد والتمركز العسكري.
هذه الخطوة تُعدّ مؤشرًا على استعداد القبائل لسيناريو توسع المواجهة نحو المدينة التي تُعد المعقل الرئيس للإمارات على الساحل.
2. تعزيزات إماراتية من عدن والضالع ولحج:
دفعت الإمارات بحافلات تضم عشرات العناصر المسلحة إلى المكلا، قادمة من عدن عبر طريق الساحل.
مصدر التعزيزات يوضح أن أبوظبي تتعامل مع الموقف باعتباره مواجهة وشيكة، وليست مجرد مناورة ضغط.
3. اجتماع قبلي حاسم بدعم سعودي:
دعا رئيس الحلف، الشيخ عمرو بن حبريش، لاجتماع كبير للمشايخ في العليب، وسط تحشيد سعودي قوي لتمرير موقف موحد ضد التحركات الإماراتية.
يُتوقع أن يصدر الاجتماع موقفًا جماعيًا يمنح القبائل شرعية التحرك ميدانيًا ضد أي تصعيد.
ثانيًا: بُعد جديد للتوتر – هضبة النفط وتحوّل خطوط الاشتباك:
1. الهضبة النفطية مركز الصراع:
الهضبة تُعد عمق النفوذ السعودي في حضرموت، وهي جزء من مشروع الرياض الأمني والاقتصادي الممتد نحو عبر الحدود.
الإمارات تسعى لاقتحامها عبر قوات “الدعم الأمني” و“النخبة”، ما يعكس تغييرًا استراتيجيًا في مقاربة أبوظبي، التي باتت تعتبر الهضبة آخر حاجز أمام توسعها في الشرق اليمني.
2. مخاوف إماراتية من الاصطفاف القبلي:
أعلنت منصات موالية للإمارات نية الفصائل فرض حظر للتجوال في وادي وصحراء حضرموت، وهي مناطق لا تخضع لسيطرتها، ما اعتبره مراقبون “رسالة تخويف” لمشايخ القبائل قبل اجتماعهم.
الحديث عن الحظر يعكس خشية الإمارات من فقدان السيطرة على مراكز النفوذ القبلية.
3. السعودية تُوجه رسائل ردع قوية:
تسريب تهديدات بتطبيق “السيناريو السوداني” على الجنوب في حال استهداف الهضبة النفطية يعكس انتقال الرياض من مرحلة التحذير إلى مرحلة التلويح بالعقاب الجماعي.
هذا التصعيد يتزامن مع تعزيزات سعودية في شبوة استعدادًا لمواجهة مفتوحة مع الإمارات إذا لزم الأمر.
ثالثًا: البُعد السياسي.. انهيار التوازن داخل المجلس الرئاسي:
1. صراع النفوذ ينسف تماسك الرئاسي:
تشهد عدن خلافات حادة بين “رشاد العليمي” والمجلس الانتقالي، وصلت إلى حد التحشيد لطرده من معاشيق عبر تظاهرة واسعة تُنظمها جهات جنوبية موالية للإمارات.
الإمارات تستغل هذه التناقضات لزعزعة سلطة العليمي ومحاولة خلق فراغ سياسي يخدم مشروعها.
2. انفجار التوتر داخل الانتقالي:
نائب رئيس الانتقالي عن حضرموت، فرج البحسني، هاجم العليمي بشراسة واتهمه بالمسؤولية عن الانهيار في حضرموت، وهو ما يعكس انقسامًا داخليًا يتصل مباشرةً بمحاولة الإمارات فرض محافظ محسوب عليها.
أزمة وزير المالية زادت الطين بلة، مع اعتراض العليمي على مرشح إماراتي للمنصب.
3. تراشق إعلامي يعكس انهيارًا في “جبهة التحالف”:
تصريحات خالد اليماني المطالِبة بالانفصال فجرت جدلًا داخل أوساط القوى الموالية للتحالف، وانقسمت بين مؤيد ومعارض، ما كشف هشاشة التحالف السياسي الذي يفترض أن يشكّل جبهة موحدة.
رابعًا: حضرموت صارت خط التماس الرئيسي بين الرياض وأبوظبي:
1. حضرموت لم تعد ملفًا يمنيًا بحتًا:
بل أصبحت ساحة صراع إقليمي مباشر، إذ يرى الطرفان –السعودية والإمارات– أن النفوذ في حضرموت سيحدد مستقبل الترتيبات الأمنية والاقتصادية في اليمن ما بعد الحرب.
2. القبائل تدخل بـ”وزن سياسي” غير مسبوق:
اجتماع الخميس يمثل نقطة تحول؛ فالقبائل ليست مجرد طرف محلي، بل أصبحت رافعة سياسية تتحرك عبر دعم سعودي مباشر، وتتبنى خطاب حماية الهوية والأرض في مقابل “تدخل خارجي”.
3. المكلا قد تتحول إلى مركز اشتباك:
السيطرة على المرتفعات المحيطة بالمكلا تُعد رسالة مباشرة للإمارات بأن “المعركة إذا فُتحت فلن تكون في الهضبة فقط بل في قلب الساحل”.
4. فشل آليات التحالف في إدارة الجنوب:
الخلافات المتراكمة داخل المجلس الرئاسي، وصراعات المكونات الجنوبية نفسها، تُظهر أن المشروع الإماراتي في الجنوب يواجه تحديات بنيوية، أبرزها:
- – رفض القبائل تمدده شرقًا
– فقدان الغطاء السعودي
– انهيار الانسجام داخل الانتقالي نفسه
وعليه يمكن القول:
تدل المؤشرات على أن حضرموت تقف أمام أخطر مرحلة منذ بدء الحرب. الصراع لم يعد محصورًا بين فصائل محلية، بل تحول إلى مواجهة إقليمية مفتوحة تتداخل فيها حسابات النفط والحدود والهيمنة على ممرات الشرق اليمني.
ومع اقتراب اجتماع القبائل والدفع العسكري المتبادل، يبدو أن المحافظة قد تدخل خلال الأيام المقبلة مرحلة “كسر عظم” قد تعيد رسم خارطة النفوذ بالكامل، ما لم تتدخل قوى إقليمية أو دولية لاحتواء الموقف قبل انفجار شامل.