“تقرير خاص“| دلتا أبين.. نهب منظم للأراضي الزراعية تحت حماية النفوذ وغياب الدولة..!
أبين اليوم – خاص
تعيش محافظة أبين في السنوات الأخيرة واحدة من أكثر مراحلها اضطراباً، حيث تتداخل الأزمات الإدارية والأمنية والاقتصادية في مشهد واحد يهدد استقرار المجتمع ومعيشته اليومية.
فبين ضعف مؤسسات الدولة، وتصاعد نفوذ الفصائل المسلحة، وتزايد التدخلات الخارجية داخل هياكل السلطة المحلية، أصبحت المحافظة بيئة خصبة للفوضى وغياب الرقابة وتضارب المصالح.
هذا التراجع في الحوكمة لم يقتصر أثره على الجانب الأمني والخدمي فحسب، بل امتد ليضرب أحد أعمدة اقتصاد أبين التاريخية: القطاع الزراعي، الذي يشكل شريان الحياة الأساسي لغالبية السكان.
وفي ظل هذا الانفلات، بدأ العبث المنظم بالأراضي الزراعية يتخذ منحى خطيراً، مهدداً مصادر الدخل والأمن الغذائي ومستقبل الاستقرار المجتمعي في المحافظة.
وتشهد الأراضي الزراعية في دلتا أبين واحدة من أكبر موجات الاعتداءات والتوسع غير القانوني منذ عقود، في ظل انهيار منظومة الرقابة وتفكك الإدارة المحلية، وتغوّل فصائل القوة والمصالح داخل أجهزة السلطة.
هذا التمدد غير المنضبط، الذي بات يلتهم مساحات واسعة من الأراضي الخصبة، يهدد مستقبل واحد من أهم القطاعات الإنتاجية في المحافظة، ويضع الأمن الغذائي المحلي على حافة الانهيار.
– نفوذ يلتهم الأرض.. والسلطات عاجزة:
وبحسب مصادر محلية وإعلامية، تستغل جهات نافذة في حكومة التحالف والفصائل التابعة للمجلس الانتقالي، إضافة إلى أطراف مسلحة أخرى، الفراغ الإداري وثغرات القوانين للاستيلاء على مساحات زراعية واسعة في دلتا أبين.
وتنفذ تلك الأطراف عمليات بسط منظمة عبر أدوات مختلفة، منها:
- – استخدام القوة المسلحة
– استصدار وثائق مشبوهة
– اختراق مكاتب الأراضي والري
– فرض أمر واقع على المزارعين
وتشير المصادر إلى أن هذا التمدد تجاوز حدود التعديات الفردية، ليصبح نمطاً ممنهجاً يستند إلى حماية فصائل ومتنفذين لهم نفوذ واسع داخل مؤسسات السلطة.
– تداخل خطير بين القيادات المدنية والعسكرية:
تؤكد المصادر أيضاً أن جزءاً من المشكلة يكمن في تورط جهات حكومية نفسها في عمليات التلاعب بالأراضي نتيجة تشابك المصالح بينها وبين قيادات عسكرية محسوبة على أطراف مختلفة.
وقد اعترف مسؤولون محليون في أبين، خلال اجتماع رسمي أخير، بوجود اختلالات كبيرة تستدعي “آلية مشتركة” لضمان حماية الأراضي الزراعية، لكن هذا الاعتراف لم يترجم إلى خطوات فعلية.
– الإجراءات الرسمية تخدم الفوضى بدلاً من إيقافها:
ورغم الوعود الحكومية المتكررة، فإن بعض الإجراءات الصادرة عن السلطات المحلية ساهمت عملياً في تمرير تجاوزات على قنوات الري وأحواض المياه وممتلكات المزارعين، سواء من خلال:
- – منح تراخيص مخالفة
– غضّ الطرف عن المخالفين
– أو إصدار قرارات غير مدروسة سمحت بقطع قنوات الري أو تغيير استخدامها
هذا التراخي الحكومي يعزز الانطباع بأن شبكات النفوذ باتت أقوى من مؤسسات الدولة نفسها.
– تهديد مباشر للأمن الغذائي والاستقرار الاجتماعي:
يمثل دلتا أبين واحد من أهم المناطق الزراعية في جنوب اليمن، وتعتمد عليه آلاف الأسر كمصدر للدخل وتوفير الغذاء. ومع انتشار البسط والنهب:
- – تتعرض قنوات الري للتجريف والتخريب
– تتقلص مساحة الأراضي المزروعة
– يزداد خطر تدهور الإنتاج الزراعي
– ما ينذر بارتفاع الأسعار وتفاقم الفقر
– خلق صراعات اجتماعية جديدة بين المزارعين والفصائل المسلحة
– حكومة بلا أدوات.. ومزارعون بلا حماية:
ورغم خطورة ما يحدث، لم تتخذ حكومة التحالف في أبين أي إجراءات عملية على الأرض، واكتفت بالتنديد والتحذيرات الإعلامية، بينما تستمر الاعتداءات على الأراضي الزراعية.
ويشعر المزارعون بأنهم تُركوا لمواجهة مصيرهم وحدهم أمام حملات البسط، في غياب تام للسلطات المختصة، ما يزيد من مستوى الاحتقان الشعبي ويهدد باندلاع نزاعات محلية واسعة.
وعليه يمكن القول:
توسّع عمليات النهب في دلتا أبين ليس مجرد تجاوزات عقارية، بل هو مؤشر لتحول خطير في بنية السلطة المحلية، حيث أصبح النفوذ العسكري والفصائلي يتقدم على القانون، وأصبحت الأراضي الزراعية سلعة يتقاسمها المتنفذون.
وفي ظل استمرار هذا الوضع دون تدخل حاسم، تتجه أبين نحو انهيار زراعي واجتماعي طويل الأمد، يدفع ثمنه المزارعون والمجتمع المحلي، فيما تستمر شبكات البسط والنفوذ في تكريس واقع جديد على الأرض.
.