“تقرير خاص“| اشتعال سباق النفوذ في شبوة وحضرموت.. منازلة إقليمية على بوابة النفط والبحر..!
أبين اليوم – خاص
تشهد المحافظات الشرقية لليمن، وعلى رأسها شبوة وحضرموت، واحدة من أعقد مراحل الصراع منذ اندلاع الحرب، حيث تحولت هذه الجغرافيا الغنية بالنفط والغاز إلى ساحة سباق محموم بين القوى الإقليمية والدولية، وسط انهيار منظومة القرار المركزي وتحوّل المجلس الرئاسي إلى ساحة مزايدات بين أطراف متنافسة.
فعلى امتداد الأسابيع الأخيرة، برزت شرق اليمن كمنطقة يُعاد فيها رسم ميزان النفوذ العسكري والسياسي، ليس فقط بين القوى المحلية، بل بين الرياض وأبوظبي وواشنطن والاتحاد الأوروبي، مع دخول لاعبين جدد وشبه عسكريين ومرتزقة أجانب، واستقدام تقنيات قتالية متقدمة كالطائرات المسيرة الانتحارية.
هذا التصعيد ليس معزولًا عن سياق اليمن العام، ولا عن معادلات الطاقة والممرات البحرية الدولية، بل يأتي كجزء من مسار أوسع تسعى فيه كل قوة إلى فرض حضورها قبل أي تسوية سياسية مقبلة، في ظل شعور متزايد بأن ما يجري في شبوة وحضرموت اليوم سيحدد شكل السلطة والثروة في “اليمن ما بعد الحرب”.
وفي ظل هذا المشهد المتشابك، بدت الأحداث في المحافظتين كحلقتين مترابطتين في سلسلة واحدة، تتقاطع فيها الحسابات الأمنية والاستخباراتية والاقتصادية، وتترجم عمليًا عبر تحشيدات، تدريبات، تهديدات، وإعادة تشكيل التحالفات. ومن هنا تأتي أهمية قراءة ما يجري ليس كوقائع منفصلة، بل كخريطة صراع متكاملة تعيد توزيع القوى على الأرض استعدادًا لمرحلة أكثر حساسية.
أولًا: شبوة.. تدريبات أمريكية – إماراتية واستخدام طائرات مسيّرة وانخراط مرتزقة أجانب:
شهدت محافظة شبوة، الاثنين، تطورًا لافتًا مع بدء القوات الأمريكية والإماراتية تنفيذ تدريبات عسكرية مشتركة شملت فصائل محلية وقوات ومرتزقة أجانب، في خطوة تعكس تحوّل المحافظة إلى مركز عمليات متقدمة.
1. تدريبات نوعية وطائرات مسيّرة انتحارية:
بحسب تقارير دولية، بدأ ضباط أمريكيون وإماراتيون تدريب عناصر من “العمالقة” و“دفاع شبوة” و“محور سبأ” على استخدام الطائرات المسيرة الانتحارية، وُصف النشاط بأنه “غير عادي”، خاصة مع استخدام ملاجئ تحت الأرض في مطار عتق لهذا الغرض.
2. شبكات مرتزقة كولومبيين:
أفادت المصادر بأن الإمارات تعاقدت مع شركتي A4SI وGSSG لنقل جنود كولومبيين سابقين إلى شبوة برواتب تصل إلى 3500 دولار، سبق لمعظمهم المشاركة في عمليات دولية، منها السودان، ما يعكس انتقال شبوة لمستوى جديد من التدويل العسكري.
3. غرف تحكم ومراكز دفاع جوي:
أكدت التقارير أن الإمارات بنت مراكز تحكم للطائرات المسيرة وملاجئ تحت الأرض داخل مطار عتق، إضافة إلى بنية تحتية للدفاع الجوي، ما يؤشر إلى مشروع عسكري طويل الأمد وشبه منفصل عن مؤسسات الدولة اليمنية.
4. سياق سياسي متوتر:
تزامنت هذه التحركات مع تصاعد التوتر السياسي في شبوة، واستدعاء أبوظبي قيادات محلية لإعادة ترتيب موازين القوى على الأرض، فيما كثفت أمريكا غاراتها الجوية في المحافظة بذريعة “مكافحة الإرهاب”، وهي الذريعة التي استخدمتها واشنطن تاريخيًا لشرعنة تدخلها العسكري في اليمن.
ثانيًا: حضرموت.. تحشيدات عسكرية وتصاعد صراع المحافظ وسط تجميد سياسي مدروس:
على خط موازٍ، بدأت أطراف محلية في حضرموت تحركات عسكرية لافتة، وسط جمود سياسي يتعلق بملف محافظ المحافظة، في ظل صراع مكشوف بين المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيًا والقوى المحسوبة على السعودية.
1. جولة المحافظ على معسكرات خصوم الانتقالي:
قام محافظ حضرموت مبخوت بن ماضي بجولة غير مسبوقة لمعسكرات “درع الوطن” والقوات التابعة للمنطقة العسكرية الأولى في وادي وصحراء حضرموت المحسوبة على حزب الإصلاح، في خطوة فسّرها مراقبون بأنها رسالة رفض لمحاولات الانتقالي إقصاءه.
2. صراع داخل المجلس الرئاسي:
ازدادت حدة الأزمة بعد تغيّب عيدروس الزبيدي وفرج البحسني عن اجتماع الرياض، قبل أن يخرج الأخير بتهديدات باتخاذ “إجراءات انفرادية”، ما اعتُبر تمهيدًا لفرض محافظ بديل.
3. ضغوط سعودية لتفكيك النخبة الحضرمية:
تصاعد الغضب داخل الانتقالي بعد تحركات لتفكيك “النخبة الحضرمية” الموالية للإمارات، خصوصًا بعد محاولاتها التوسع نحو مناطق النفط في الوادي والصحراء. وهدد الانتقالي بالتصعيد العسكري في حال المساس بقواته.
4. تجميد ملف المحافظ رغم الاتفاق عليه:
كانت التوقعات تشير إلى صدور قرار جديد بتعيين محافظ، لكن الملف جُمّد. وتقول مصادر حكومية إن السبب مرتبط بتدخلات خارجية مباشرة، خصوصًا بعد دخول أطراف غربية على خط الأزمة.
ثالثًا: الحضور الأمريكي – الأوروبي.. دعم رمزي ورسائل ثقيلة:
دخلت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بقوة غير مسبوقة على خط صراع حضرموت، معلنين دعمًا علنيًا للسلطة المحلية بقيادة بن ماضي.
أبرز هذه الخطوات:
- – إعلان السفارة الأمريكية تقديم سيارة إسعاف للمحافظة “لأول مرة منذ عقود”.
– رسالة سياسية واضحة بأن واشنطن تقف مع المحافظ الحالي.
– محاولة كبح محاولات السعودية والإمارات لإعادة تشكيل السلطة المحلية.
ورغم أن الدعم المعلن ضئيل جدًا مقارنة بحجم الأزمة، إلا أن رمزيته كانت كافية لإعادة ترتيب مواقف أطراف داخل المجلس الرئاسي نفسه.
وعليه يمكن القول:
تكشف الأحداث المتسارعة في شبوة وحضرموت عن انتقال الصراع الشرقي في اليمن من مرحلة “التنافس السياسي المحدود” إلى مرحلة “إعادة توزيع النفوذ الإقليمي والدولي بالقوة الناعمة والخشنة معًا”.
ففي شبوة، تبني الإمارات والولايات المتحدة بنية عسكرية متقدمة تتجاوز مجرد دعم فصائل محلية، ما يشير إلى نية لإدارة الصراع والتحكم بمساراته من خارج مؤسسات الدولة.
أما في حضرموت، فالتجميد السياسي المقصود، والتحركات العسكرية المتبادلة، وتدخل واشنطن وبروكسل لحماية المحافظ، تكشف عن مرحلة جديدة من الصراع، حيث باتت القوى الدولية ترى في حضرموت آخر ساحات الاستثمار النفطي والسياسي المفتوح في اليمن، ما يجعلها غير مستعدة لتركها منفردة للسعودية أو الإمارات.
وبذلك، يبدو أن المحافظتين تقفان أمام لحظة مفصلية:
– إما تشكيل واقع جديد يكرّس النفوذ الدولي والإقليمي،
– أو انفجار صراع عسكري واسع يعيد رسم الخريطة من جديد.