“تقرير خاص“| سباق السيطرة على باب المندب.. تحركات سعودية غير مسبوقة تحت غطاء دولي..!
أبين اليوم – خاص
لم يعد المشهد الإقليمي في اليمن يشبه ما كان عليه عند انطلاق عاصفة الحزم عام 2015، حين قدمت دول التحالف تدخلها باعتباره عملية عسكرية موحدة تهدف إلى “إعادة الشرعية” ووقف تمدد الحوثيين. فبعد عقدٍ تقريباً، تحوّل هذا التحالف ذاته إلى ساحة صراع داخلي محتدم بين أطرافه، تتقاطع فيه الحسابات الأمنية بالعسكرية، وتتشابك معه رهانات اقتصادية واستراتيجية تتجاوز اليمن إلى رسم توازنات النفوذ في البحر الأحمر والمحيط الهندي.
فالسعودية التي دخلت الحرب بهدف تثبيت حدودها وأمنها القومي، وجدت نفسها في مواجهة طموحات إماراتية متسارعة تمتد من عدن إلى سقطرى مروراً بباب المندب، حيث لم تعد الجزر والموانئ اليمنية مجرد نقاط جغرافية، بل مفاتيح لقواعد عسكرية مستقبلية وشرايين لطرق التجارة العالمية.
وبينما تسعى أبوظبي لبناء شبكة نفوذ بحري واسعة بالتحالف مع واشنطن وشركات أمنية واقتصادية، تحاول الرياض إعادة تشكيل نفوذها التقليدي في اليمن بعد سنوات من الاستنزاف.
هذه التحولات جعلت اليمن، وبالأخص باب المندب والجزر الإستراتيجية، مسرحاً لتقاطع مصالح عربية ـ أمريكية ـ إقليمية، تتخللها ترتيبات أمنية دولية وعمليات إعادة انتشار للقوات، بما يكشف أن الصراع لم يعد مجرد حرب أهلية، بل منافسة مفتوحة على الجغرافيا والثروة والممرات البحرية.
وتشير الوثيقة المنسوبة إلى قيادي في فصائل “درع الوطن” المموّلة من السعودية إلى تحولات خطيرة في موازين السيطرة داخل السواحل اليمنية الممتدة على باب المندب، وتحديداً في مناطق رأس العارة والمضاربة، حيث تتداخل مصالح ونفوذ فصائل موالية لكل من الرياض وأبوظبي. وتُعد هذه الوثيقة – التي تضمنت إشارات إلى توجيهات بمواجهة فصائل مدعومة من الإمارات – علامة جديدة على اشتداد التنافس الإقليمي في منطقة تُعد من أكثر الممرات البحرية حساسية في العالم.
أولاً: الوثيقة المسربة.. مؤشر على مرحلة جديدة من المواجهة:
جاءت استقالة سرور عبدالله البوكري، أركان اللواء الثاني في “درع الوطن”، لتكشف عن تعليمات سعودية تقضي بتجاوز أوامر قائد لواء العمالقة المدعوم من الإمارات، حمدي شكري الصبيحي، بل والتهيؤ لاعتراض قواته عند الضرورة.
- هذا التطور يعكس:
– تآكل الثقة بين المعسكرين السعودي والإماراتي.
– انتقال الخلاف من غرف القرار إلى خطوط التماس العسكرية.
– احتدام الصراع على خطوط النفوذ الممتدة من الساحل الغربي إلى مضيق باب المندب.
وتأتي هذه الاستقالة بعد اشتباكات محدودة في منطقة رأس العارة، انتهت بوقف التنسيق الأمني بين الفصائل الموالية للبلدين، ما يبرهن على أن الخلاف بات هيكلياً وليس عارضاً.
ثانياً: باب المندب.. ساحة اشتباك نفوذ إقليمي:
لم يكن باب المندب يوماً مجرد ممر بحري، بل عنق زجاجة استراتيجي تمر عبره تجارة وسفن الطاقة المرتبطة بثلاث قارات. ما يجري اليوم يضع المضيق أمام مستوى جديد من عسكرة السواحل نتيجة:
1. انتشار فصائل مدعومة من السعودية على طول الشريط الساحلي الممتد من لحج إلى بعض مناطق تعز.
2. تعزيز الإمارات وجودها العسكري في الجزر اليمنية مثل ميون وسقطرى، تحت غطاء فصائل محلية مرتبطة بقيادات جنوبية.
3. دخول أطراف دولية عبر أشكال تعاون أمني، أبرزها الولايات المتحدة التي توسّع حضورها في البحر الأحمر وخليج عدن ضمن استراتيجية حماية الممرات البحرية.
هذا التداخل صنع بيئة قوامها مربعات نفوذ، وليس سلطة مركزية واحدة.
ثالثاً: الأطراف الخارجية.. اللاعب الخفي في مسرح باب المندب:
لم يعد باب المندب مجرد قضية إقليمية عربية، بل أصبح محور اهتمام القوى الغربية، خصوصًا الولايات المتحدة والدول الأوروبية، لأسباب استراتيجية وتجارية متعددة:
1. حماية خطوط الشحن والطاقة العالمية:
تمر عبر المضيق سفن النفط والغاز والفحم والسلع الاستراتيجية المتجهة من الخليج إلى أوروبا وأمريكا وآسيا.
أي تهديد أمني أو عسكرة مضاعفة يمكن أن يرفع أسعار الطاقة عالميًا ويهدد الاستقرار المالي للدول الغربية.
2. قاعدة للمراقبة والاستخبارات البحرية:
تنشط الولايات المتحدة في نشر وحدات مراقبة بحرية وجوية، إضافة إلى تعاون استخباراتي مع فصائل محلية، لضمان رصد أي تحركات للقوى الإقليمية أو تنظيمات مسلحة في البحر الأحمر وخليج عدن.
أوروبا تتعاون معها أحيانًا في مهمات التدريب والمراقبة لتأمين السفن التجارية.
3. الضغط على النفوذ الإقليمي العربي:
الولايات المتحدة ترى في النزاع السعودي – الإماراتي فرصة لتعديل موازين القوى في المنطقة، بما يضمن مصالحها الإستراتيجية، ويقيّد طموحات أي طرف إقليمي مستقل في التحكم بالمضيق.
الأوروبيون، خصوصًا بريطانيا وفرنسا، يرون في المنطقة خط شحن حيوي للتجارة الدولية ويحرصون على المشاركة في أي ترتيبات أمنية لضمان حماية مصالحهم الاقتصادية.
4. تموضع طويل الأمد للوجود العسكري الغربي:
تعتقد القوى الغربية أن السيطرة على مضيق بحري حيوي مثل باب المندب تعني القدرة على التأثير في موازين القوة الإقليمية والقدرة على حماية مصالحها في القرن الأفريقي والخليج العربي والمحيط الهندي.
5. القوى العربية:
تعمل كل من السعودية والإمارات وفق رؤى مختلفة:
- – السعودية تسعى لفرض حضور مباشر على الساحل لضمان أمن حدودها الجنوبية ومنع أي قوة منافسة من السيطرة على الممر البحري.
– الإمارات تعتمد استراتيجية “السيطرة عبر الجزر” وتثبيت نفوذ طويل الأمد عبر فصائل محلية مرتبطة بها.
هذا التموقع يضع اليمن في قلب شبكة مصالح دولية تجعل من الصعب لأي طرف محلي أن يسيطر على المضيق دون قبول أو تفاهم مع الفاعلين الخارجيين.
مع إدراك هذه الأطماع الغربية، يمكن فهم أن الصراع في باب المندب والجزر اليمنية أصبح صراعًا متعدد الأبعاد:
- – منافسة إقليمية بين السعودية والإمارات على النفوذ المباشر والموارد.
– تدخل القوى الغربية لضمان مصالحها الأمنية والتجارية، مع استخدام فصائل محلية كواجهة لهذا النفوذ.
– ضعف القدرة اليمنية على فرض دور فعال في إدارة المضائق والجزر، مما يجعل السلطة الوطنية مجرد لاعب ثانوي أمام أطماع الفاعلين الخارجيين.
باب المندب لم يعد مجرد شريان بحري يمني، بل أصبح ميدانًا استراتيجيًا عالميًا. الأطماع الغربية تضيف بعدًا جديدًا للصراع، حيث تصبح أي خطوة محلية أو إقليمية في المنطقة مرتبطة بالسياسات الدولية.
خامساً: قراءة في مستقبل الصراع:
تشير الوقائع الأخيرة إلى أن اليمن – وخاصة مناطقه الساحلية – دخل مرحلة جديدة يمكن وصفها بـ “التموضع العسكري طويل الأمد” بين قوى إقليمية ودولية. ومع غياب إطار وطني جامع قادر على ضبط المشهد، فإن:
- – الصراع السعودي–الإماراتي قد يتطور إلى تنافس علني على إدارة المضيق والجزر.
– القوى الدولية قد تعزز وجودها بحجة حماية الملاحة.
– اليمن قد يصبح ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات الاستراتيجية.
وعليه يمكن القول:
ما يجري في باب المندب لم يعد مجرد تنافس على النفوذ المحلي، بل تحول إلى صراع استراتيجي متعدد المستويات تشارك فيه قوى عربية ودولية، كل منها يسعى إلى ضمان موطئ قدم في أهم مضيق بحري في العالم.
وترسم الوثيقة المسربة حدود مرحلة جديدة يتراجع فيها الدور اليمني أمام تمدد الفاعلين الخارجيين، حيث تتقاطع المصالح السعودية والإماراتية والأمريكية في طاحونة واحدة عنوانها:
من يملك المضيق… يملك مفتاح البحر الأحمر؟