“تقرير خاص“| حضرموت.. ساحة صراع مفتوحة بين السعودية والإمارات..!
أبين اليوم – خاص
لم ينفجر التوتر السعودي–الإماراتي في حضرموت فجأة، بل جاء كارتداد مباشر لصراعات أكبر تتجاوز حدود اليمن. فالمعركة التي تتشكل اليوم على الهضبة النفطية ليست مجرد احتكاك على مناطق نفوذ، بل جزء من معادلة إقليمية جديدة بدأت تتشكل بعد اشتعال الحرب في السودان.
فمع انحياز الرياض للجيش السوداني، ودعم أبوظبي لقوات الدعم السريع، انتقلت المنافسة بين الحليفين إلى مستوى أكثر استعجالًا وحدة. وفي هذا السياق، تحولت حضرموت – المحافظة الأكثر ثقلًا وقربًا من الحدود السعودية – إلى ساحة ردّ ورسائل متبادلة.
هذا التوقيت تحديدًا ليس اعتباطيًا: الإمارات تريد قلب ميزان القوى في اليمن قبل أن تتغير حسابات الإقليم، والسعودية تعتبر أي اختراق في وادي وصحراء حضرموت تهديدًا مباشرًا لأمنها وحدودها.
وهكذا، تداخلت جبهة السودان مع جبهة اليمن، ليولد تصعيد مزدوج يُعيد رسم خطوط الاشتباك بين قوتين كانتا حتى وقت قريب تتحركان ضمن تحالف واحد. حضرموت اليوم ليست فقط معركة نفوذ محلي، بل امتداد لصراع إقليمي على الموارد والممرات والحدود، باتت نيرانه تقترب أكثر من أي وقت مضى من الاشتعال الكامل.
– الأحداث:
تشهد محافظة حضرموت، شرقي اليمن، تصعيدًا غير مسبوق بين السعودية والإمارات، في واحدة من أعقد مراحل التنافس بين الحليفين داخل التحالف. فالمعركة التي كانت تُدار على مستوى النفوذ السياسي والأمني، تحوّلت خلال الأيام الأخيرة إلى سباق تعبئة عسكرية وتهديدات مباشرة، تُنذر باندلاع مواجهة مفتوحة على حدود البلدين.
1. من خلاف صامت إلى مواجهة علنية:
لم يعد الصراع السعودي–الإماراتي في اليمن محصورًا في الاختلافات التكتيكية، بل اتخذ منحىً صداميًا واضحًا، خصوصًا مع دفع أبوظبي نحو معركة كسر عظم في الهضبة النفطية لحضرموت، بالتوازي مع تعبئة سعودية قبَلية وعسكرية واسعة.
الطرفان، اللذان خاضا ثماني سنوات حربًا تحت راية تحالف واحد، يقتربان اليوم من أخطر نقطة توتر منذ بدء الحرب.
2. خلفية الصراع: حضرموت وثلاثة عقود من الحسابات المؤجلة:
تمثل حضرموت – بخاصة الوادي والصحراء – مركز النفوذ السعودي التقليدي منذ التسعينيات، إضافة لكونها أهم خزان نفطي في اليمن، وممرًا حدوديًا استراتيجيًا.
في المقابل، تسعى الإمارات منذ 2016 إلى تثبيت حضورها في المحافظة ضمن مشروع نفوذ جنوبي متكامل يربط شبوة، وسقطرى، والمكلا، وصولًا إلى الهضبة النفطية.
ورغم محاولات التهدئة، ظل ملف حضرموت الأكثر حساسية، إلى أن انفجر بصورة غير مسبوقة مع التطورات الأخيرة.
3. التطورات الميدانية: تعبئة سعودية مقابل حشد إماراتي:
أولاً: التحركات السعودية:
- – عقد السفير السعودي محمد آل جابر سلسلة اجتماعات مع مساعد وزير الخارجية الأمريكي وسفراء أوروبيين، محذرًا من أن الرياض “سترد بحزم” على أي تصعيد إماراتي.
– ترتيبات لعقد اجتماع موسّع لقبائل الوادي والصحراء لبحث “تهديدات” رجل الإمارات أبو علي الحضرمي ضد عمرو بن حبريش.
– زيارة مفاجئة للسفير الألماني إلى حضرموت، في مؤشر على رغبة الرياض بحشد دعم أوروبي لصدّ التحرك الإماراتي.
ثانيًا: التحركات الإماراتية:
- – عودة أبو علي الحضرمي من أبوظبي لتولّي قيادة التحشيد شرق اليمن.
– ظهور الحضرمي في الهضبة النفطية ملوّحًا باجتياح مناطق نفوذ السعودية.
– تشكيل فصيل أمني جديد باسم “الدعم الأمني” على غرار قوات الدعم السريع في السودان، بهدف حسم المعركة في الوادي والصحراء.
– إرسال تعزيزات عسكرية كبيرة، وتجهيزات لحشد قوات من جنوب اليمن ومن دول أجنبية تقاتل ضمن فصائل ممولة إماراتيًا.
– التحضير للمعركة تحت غطاء الاحتفال بذكرى 30 نوفمبر.
ثالثًا: التعبئة المتبادلة:
حالة الاستنفار القبلي والعسكري لدى السعودية، مقابل الاستقطاب الإماراتي المتسارع، تُحوّلان حضرموت إلى ساحة مواجهة مباشرة قد تتجاوز حدود اليمن.
4. دوافع التصعيد: اليمن.. أم السودان؟
لا يمكن قراءة التصعيد بمعزل عن التحولات الإقليمية:
1) صراع النفوذ النفطي والحدودي في حضرموت:
- – السعودية تعتبر وادي حضرموت حاجزًا أمنيًا استراتيجيًا.
– الإمارات ترى أن السيطرة على حضرموت ستُكمل مشروع نفوذها البحري والاقتصادي في الجنوب.
2) حرب السودان:
- – دخول السعودية بقوة لدعم الجيش السوداني ضد الدعم السريع الموالي للإمارات، كشف تناقضًا عميقًا في ملفات الأمن الإقليمي.
– طلب ولي العهد السعودي تدخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقف الحرب، أثار غضب أبوظبي التي ترى أن الرياض تحاول قطع تمددها في القرن الإفريقي.
3) اختلاف الرؤية الاستراتيجية:
- – الرياض تسعى لبناء نفوذ مستقر عند حدودها.
– أبوظبي تبحث عن توسيع نطاق تأثيرها في المناطق الغنية بالموارد والممرات البحرية.
5. قراءة في المشهد: سيناريوهات محتملة:
السيناريو الأول: مواجهة محدودة بالوكلاء:
وهو الأكثر ترجيحًا على المدى القريب، حيث قد تندلع اشتباكات بين الفصائل الوكيلة للطرفين في الوادي والصحراء.
السيناريو الثاني: تسوية اضطرارية بوساطة أمريكية:
قد تضطر واشنطن للتدخل منعًا لانفجار الصراع بين حليفين أساسيين لها، خصوصًا وقد أصبح ملف حضرموت مرتبطًا بحرب السودان.
السيناريو الثالث: توسع الصراع إلى مستوى إقليمي:
في حال فقدت الأطراف السيطرة، قد يتجاوز الصراع اليمن ليصل إلى تقاطع نفوذ في البحر الأحمر والقرن الإفريقي.
وعليه يمكن القول:
تكشف التطورات الأخيرة أن العلاقة السعودية–الإماراتية تجاوزت حدود الخلاف التكتيكي إلى صدام استراتيجي متعدد الجبهات. فالصراع لم يعد حول إدارة مناطق نفوذ في اليمن، بل حول تحديد شكل المنطقة في مرحلة ما بعد الحرب.
ومع اقتراب موعد نهاية نوفمبر، وانشغال الطرفين بتحشيد قبلي وعسكري غير مسبوق، تبدو حضرموت مقبلة على مرحلة قد تُعيد رسم خارطة النفوذ شرق اليمن. وفي ظل غياب أي مؤشرات للتهدئة، تقف واشنطن أمام اختبار صعب لإدارة أخطر أزمة بين شريكيها في المنطقة منذ عقد كامل.