حضرموت على حافة التحوّل: قبائل الهضبة تعيد رسم خارطة النفوذ بين الرياض وأبوظبي..!
اليوم – خاص
شهدت محافظة حضرموت، الثرية بالنفط شرق اليمن، تطوّرات متسارعة وغير مسبوقة، خصوصًا في مناطق الوادي والصحراء، ما يعكس توجّه الهضبة نحو فصل إداري–أمني فعلي عن الساحل. فعشية أداء المحافظ الجديد سالم الخنبشي اليمين الدستورية في عدن، فرضت قبائل الوادي والصحراء واقعًا مغايرًا بسيطرتها الكاملة على حقول النفط ومفاصلها الحيوية في الهضبة.
وكانت الأوساط السياسية تترقّب تهدئة بعد قرار رشاد العليمي تعيين محافظ جديد، في ظل التوتر المتصاعد الذي أثارته الفصائل الموالية للإمارات بتهديد رئيس حلف القبائل عمرو بن حبريش والمطالبة بتفكيك قواته. إلا أن وصول الخنبشي إلى السلطة بدا كإشارة معاكسة، إذ سارعت القبائل لتأكيد حضورها الميداني وإعادة ضبط موازين السيطرة.
هذه التحركات تعبّر عن رفض القبائل لأي محاولة لاحتواء المشهد، وتؤكد مضيّها ضمن مسار سعودي طُرح مسبقًا، يقوم على تقسيم حضرموت إلى ساحل خاضع للإمارات وهضبة نفطية بيد الرياض. وتدفع السعودية بقوة لترسيخ نفوذ الحلف القبلي، سواء عبر تحريك الفصائل الأقوى في المنطقة العسكرية الأولى أو بتبنّي خطاب حق “أبناء الهضبة” في الانفصال الإداري عن الساحل.
وتتجلى نقطة التحوّل الأبرز في قرار القوى القبلية طرد وحدات تابعة للمنطقة العسكرية الثانية المتمركزة في الساحل، رغم أن عناصرها من أبناء حضرموت. وهذه الخطوة تحمل دلالة واضحة على انتهاء المرحلة التي ظل فيها الوادي والصحراء تحت إدارة شبه مستقلة، إيذانًا بمرحلة جديدة تتولى فيها القبائل إدارة الملفين الإداري والعسكري بشكل مباشر.
وبينما كان المجلس الرئاسي يعوّل على تعيين الخنبشي لاحتواء الأزمة، خرج حلف القبائل عبر متحدثه صالح الدويلي بتصريحات حول بدء “معركة التحرير”، ما يعزز أن سيطرة القبائل على الحقول النفطية ليست خطوة ظرفية، بل تحوّلًا بنيويًا يشمل وقف تدفق النفط ليس فقط إلى عدن – كما كان متوقعًا – بل وحتى إلى سلطة الساحل نفسها.
وفي السياق ذاته، بدأ المجلس الانتقالي تحرّكات عاجلة في محاولة للحفاظ على نفوذه الآخذ بالانكماش في المحافظة النفطية. فقد عقد عيدروس الزبيدي اجتماعًا سريعًا مع الخنبشي عقب أدائه اليمين، مؤكدًا – عبر وسائل إعلامه – دعم المحافظ الجديد رغم كونه من أبرز خصوم المجلس. ويأتي هذا اللقاء مع الاضمحلال المتزايد لفرص “الانتقالي” في حضرموت بعد إزاحة المحافظ الموالي للإمارات مبخوت بن ماضي الذي كان يُشكّل الغطاء الرسمي لتحركاته.
يُذكر أن الخنبشي، وهو قيادي اشتراكي سابق محسوب على تيار الرئيس الجنوبي الأسبق علي سالم البيض، يحمل موقفًا تاريخيًا معاديًا لقيادات جنوبية بارزة، وانخرط لاحقًا في تيار هادي بدعم سعودي، ما جعل منه الورقة الأنسب للرياض في حضرموت اليوم.
تحليل:
ما يجري في حضرموت ليس مجرد صراع محلي على سلطة المحافظ أو توزيع المواقع العسكرية، بل إعادة تشكيل عميقة لخريطة النفوذ بين السعودية والإمارات في واحدة من أهم المحافظات الاستراتيجية.
فسيطرة القبائل على الهضبة النفطية، وتراجع نفوذ “الانتقالي”، وصعود شخصية محسوبة على الرياض مثل الخنبشي، كلها مؤشرات على انتقال الصراع من مستوى الاحتكاك السياسي إلى إعادة هندسة بنية السلطة على الأرض.
ومع اتساع الفجوة بين الساحل والهضبة، تبدو حضرموت مقبلة على تحوّل جذري قد يعيد رسم مستقبل الجنوب كله، ويرسم معاوده توازنات جديدة في المشهد اليمني المتشظي.