عطوان: هل ستؤدي قمة “بوتين ـ كيم” الى تغيير مسار الحرب الأوكرانية لصالح روسيا.. وكيف؟ وما دور الصين الخفي؟ ولماذا “تسرّع” الرئيس الكوري الشمالي بالتنبؤ بنصر وشيك..!

5٬835

أبين اليوم – مقالات وتحليلات 

بقلم/ عبد الباري عطوان

الزعماء في العالم يتباهون، ويتنافسون في إمتلاك طائرات خاصة مختلفة الأحجام والأثمان، لاستخدامها في تنقلاتهم الخارجية، لكن الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ اون شذ عن القاعدة لإمتلاكه قطاراً مدرعاً خاصاً قد لا يزيد ثمنه عن ثمن عجلات طائرة “جمبو” الأمريكية الصنع، التي يفضلها معظم الزعماء العرب، يستخدمه في رحلاته الخارجية النادرة جداً، وآخرها الى قاعدة فوستوتشني للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الواقعة في أقصى الشرق الروسي، ربما يكون، أي هذا اللقاء، حاسماً في تحديد نتائج الحرب الأوكرانية، ولمصلحة الجانب الروسي.

انه لقاء قمة بين جارين تجمعهما حدود مشتركة، والعداء الشديد جداً للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، وجاء بهدف تطوير شراكة استراتيجية، وتبادل الخبرات التكنولوجية العسكرية، فالأولى، أي موسكو، تريد صواريخ، وذخائر، لتعويض مخزونها الذي تناقص في حرب أوكرانيا التي أكملت عاماً ونصف العام من عمرها، والثانية تتطلع الى تكنولوجيا الأقمار الصناعية للمراقبة العسكرية (التجسس)، وخاصة انها لم تنجح مرتين في وضع قمر صناعي في المدار الجوي، علاوة على السعي لامتلاك تكنولوجيا متقدمة لصناعة غواصات تعمل بالطاقة النووية ويمكن تجهيزها بصواريخ نووية بعيدة المدى.

الوفد المرافق للرئيس الكوري الشمالي يضم متخصصين في صناعة الصواريخ والذخائر وقنابل المدفعية المتطورة المضادة للدروع، والصواريخ متعددة المديات أيضاً، علاوة على قادة كبار في الجيش الكوري الشمالي، بينما يضم الوفد الروسي سيرغي شويغو وزير الدفاع، وسيرغي لافروف، وزير الخارجية، علاوة على ضباط كبار في الجيش وخبراء في الصناعات العسكرية، الأمر الذي يشي بالهدف الحقيقي لهذه القمة التاريخية، أي وضع كل الإمكانيات العسكرية لدى البلدين لتحقيق التكامل العسكري، والحاق هزيمة كبرى بالعدو المشترك، أي أمريكا، في الحرب الاوكرانية الحالية.

أهمية هذه القمة تنعكس في علو الصراخ الأمريكي المبكر من آلامها، والنتائج الكارثية التي يمكن ان تترتب عنها بالنسبة الى واشنطن وحلفائها، ولهذا أصدر البيت الأبيض عدة تحذيرات لم يكن لها أي تأثير غير الشفقة، أبرزها بيان من البيت الأبيض يؤكد ان “كوريا الشمالية ستدفع ثمنا باهظا اذا زودت روسيا بأسلحة وذخائر تدعم موقفها في الحرب الأوكرانية”.

انه صراخ الثعلب الذي وقع في مصيدة لا يعرف كيف سيخرج من فكيها، فأمريكا بايدن لا تملك هذه الأيام غير التحذير والصراخ، فماذا يمكن ان تفعل هذه التهديدات والتحذيرات في دولتين يقعان فعلاً تحت الحصار والعقوبات الاقتصادية الامريكية، السلاح الأقوى للولايات المتحدة الذي بدأ يفقد مفعوله بسرعة؟ عقوبات جديدة فوق القديمة الفاشلة التي تعطي نتائج عكسية في معظم الحالات؟

لم يبالغ الرئيس الزائر كيم في نظر الكثير من المراقبين عندما “بشّر حليفه بوتين في الدقائق الأولى من اللقاء بأن روسيا ستحقق نصراً كبيراً في هذه الحرب، ومعاقبة تجمع الشرّ الأمريكي”، لانه لا يلقي الكلام على عناته، ويطمئن مضيفه في الوقت نفسه بأنه سيلقي بكل ثقله الى جانبه، ويقدم كل ما في ترسانته من ذخائر وصواريخ عابرة للقارات لترجيح كفته في الحرب، فمنذ اليوم الأول حمل أمريكا مسؤولية اندلاع هذه الحرب، وتنبأ بهزيمتها، ولم تجانب صحيفة “نيويورك تايمز” الحقيقة عندما قالت امس ان بيونغ يانغ عاصمة كوريا الشمالية تملك واحدة من أضخم الترسانات العسكرية في العالم.

هجوم الربيع الاوكراني المضاد فشل في تحقيق أي انجاز لافت، وارسال المسيرّات لضرب اهداف مدنية في ست مدن روسية لم يحقق أهدافه في ارهاب العمق البشري الروسي وزعزعة استقرار البلاد رغم تعطيله حركة بعض المطارات لبضعة ساعات، وكانت هذه الخطوة استعراضية بالدرجة الأولى لم تنجز الا القليل من أهدافها، ومقدم “الجنرال شتاء” وصقيعه سيقاتل الى جانب الجيش الروسي في الأشهر المقبلة، ولعل مقتل 71500 جندي اوكراني، واصابة ضعفي هذا الرقم، وتدمير آلاف الدبابات والعربات المدرعة في هذا الهجوم هو أبرز المؤشرات على النتائج الأولية لهذه الحرب.

اللافت انه لا يوجد قتيل او جريح واحد امريكي او من دول حلف “الناتو” بين هؤلاء الضحايا منذ بداية الحرب قبل 18 شهراً، الأمر الذي يعكس الاستخدام غير الأخلاقي للجيش والشعب الاوكراني في هذه الحرب، التي يخوضها حلف “الناتو” بالروموت كونترول عن بعد، ومن يحارب بالروموت كونترول لن ينتصر خاصة عندما يكون خصمه دولة عظمى تملك 6500 راس نووي وصواريخ “سارمات” النووية الأسرع من الصوت عشر مرات العابرة للقارات.

فالاقتصاد الأوروبي يتهاوى، واليورو في هبوط متسارع، بعد ان كان العكس قبل بدء الحرب، والتضخم يرتفع ومعه أسعار الفائدة، وغلاء المعيشة وتراجع الخدمات العامة بات القاسم المشترك لمعاناة جميع دول الاتحاد الأوروبي، وهذا الوضع لمأساوي قد يؤدي الى توسيع التذمر من هذه الحرب.

ما يثير السخرية ان الرئيس بايدن الذي يقدم القنابل العنقودية، وقذائف اليورانيوم المنضب الممنوعين بمقتضى القانون الدولي الذي وضعت بنوده أمريكا، يولول ويصرخ ويحذر كوريا الشمالية من تقديم أي صواريخ او قذائف لموسكو، هل هذا الرجل يملك ذرة من الحياء؟ وعلى من يضحك؟

الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ اون يذهب للقاء القمة مع الرئيس بوتين بتوجيه من معلمه الصيني الرئيس تشي جين بينغ، وبضوء أخضر منه للموافقة على جميع الطلبات العسكرية الروسية، فاذا كانت واشنطن تستعين بدعم 30 دولة عضو في حلف “الناتو” بعضها نووية عظمى مثل فرنسا وبريطانيا، فلماذا تعترض، وتولول، اذا ما حط الرئيس الكوري الشمالي بعجلات قطاره في القاعدة الجوية الروسية والتقى بوتين عارضا الدعم؟

أمريكا، من الصعب، ان لم يكن من المستحيل، ان تكسب الحرب في أوكرانيا؟ فروسيا اليوم غير الاتحاد السوفيتي في أيامه الأخيرة في أفغانستان، وبوتين ليس غورباتشوف الضعيف المخترق، وكيم جونغ اون الذي أذل دونالد ترامب وهزمه بالضربة القاضية في فيتنام وسنغافورة، لن يتردد في منازلة الرئيس بايدن المريض شبه الفاقد للوعي والطاقة، واذلاله أيضا، ومثلما ضحى بايدن بأشرف غني رئيس أفغانستان، سيضحي أيضا بزيلينسكي، وسيزج به الى “محرقة الهزيمة”، وسيهرول الى مائدة المفاوضات بحثا عن مخرج بأقل قدر من الخسائر، وقد يخسر الانتخابات الرئاسية القادمة، هذا اذا سُمح له بخوضها.. والأيام بيننا.

 

 

المصدر: رأي اليوم

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com