“تقرير“| الدعم السعودي لإنقاذ حكومة عدن: تمرد المحافظات يعرقل توحيد الإيرادات وتصاعد الأزمة بين العليمي والبحسني..!

7٬670

أبين اليوم – خاص 

تلقت حكومة بن بريك دفعة مالية سعودية جديدة تأتي في لحظة مالية شديدة التعقيد، إذ تواجه الحكومة عجزًا هائلًا في الإيرادات وتراجعًا حادًا في احتياطاتها من النقد الأجنبي، إلى جانب تفاقم الخلافات مع السلطات المحلية، خصوصًا في المحافظات النفطية التي ترفض تنفيذ قرار مجلس القيادة الرئاسي القاضي بتوحيد الإيرادات وتوريدها إلى البنك المركزي في عدن.

وبحسب وكالة “رويترز”، ذكرت ثلاثة مصادر حكومية أن السعودية أودعت نحو 90 مليون دولار في حسابات البنك المركزي بعدن على شكل دفعتين، ضمن الدعم الاقتصادي الذي تعهدت به الرياض لحكومة عدن. وأكد مسؤول كبير في البنك المركزي بدء صرف المرتبات المتأخرة فور وصول المبلغ، لافتًا إلى أن الدعم سيسهم في تعويض جزء بسيط من الفجوة المالية التي خلفها توقف تصدير النفط الخام منذ أكتوبر 2022، وهو توقف تسبب بخسائر تقدر بثلاثة مليارات دولار خلال ثلاثة أعوام.

وكانت السعودية قد أعلنت في سبتمبر الماضي تقديم منحة اقتصادية بقيمة 368 مليون دولار عبر البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، دعمًا لموازنة حكومة عدن التي تمر بأزمة بنيوية متصاعدة. وقد بدا واضحًا أن الإيداع الأخير جاء بمثابة عملية إنعاش عاجلة، بعد أن عجزت حكومة بن بريك عن دفع مرتبات الموظفين لأربعة أشهر نتيجة انهيار الإيرادات، وضعف العملة، وارتفاع الأسعار، واتساع دائرة الفساد المالي والإداري.

ورحب رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي بالدعم السعودي، مشيدًا بما وصفه “الإجراءات العاجلة” التي مكّنت من تسريع صرف المرتبات، معتبرًا أن هذه الخطوة ساعدت في تعزيز “الاستقرار المالي”. غير أن هذا الاستقرار يبقى هشًا نظرًا لاستمرار تمرد المحافظات على قرار توحيد الإيرادات، وهو ما بات يشكل التحدي الأكبر أمام حكومة عدن.

ففي حضرموت، دخل الخلاف مرحلة تصعيد جديدة، بعد هجوم لاذع شنّه عضو المجلس الرئاسي اللواء فرج البحسني ضد الرئيس العليمي، متهمًا إياه بتجميد القرارات المتعلقة بالمحافظة، ومحملًا إياه مسؤولية تدهور الوضع الأمني والاقتصادي هناك. ويأتي هذا الهجوم بعد إعلان سلطات حضرموت رفضها الضمني لتوريد إيراداتها إلى عدن ما لم تفِ الحكومة بالتزاماتها المالية تجاه المحافظة.

وأوضحت السلطات المحلية في بيان رسمي أن الالتزام بتسليم الإيرادات مرتبط بتوفير الحكومة للمخصصات المالية، والإنفاق التشغيلي، والتمويلات التنموية، فضلًا عن مطالبتها بالتراجع عن قرار إغلاق منفذ الشحر. هذه الاشتراطات تعكس حجم التناقض بين المركز والمحافظات، وتكشف صعوبة تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية دون معالجة التوترات الداخلية المتراكمة.

ويظهر الدعم السعودي الأخير باعتباره إنقاذًا ماليًا سريعًا يهدف إلى منع انهيار حكومة عدن، لكنه في الوقت نفسه يكشف عمق الأزمة البنيوية التي تعيشها السلطة.

فالمشكلة لم تعد مجرد نقص في السيولة، بل صراع متصاعد على النفوذ المالي بين الحكومة المركزية والسلطات المحلية، خصوصًا في المحافظات الغنية بالنفط.

من الواضح أن السعودية تحاول إبقاء الحكومة واقفة على قدميها، لكنها لا تستطيع فرض سيطرة مالية كاملة ما دامت المحافظات الكبرى تتعامل مع المركز بمنطق “الاشتراطات” و“المقايضة”، وما دام المجلس الرئاسي يعيش انقسامات داخلية حادة بين أعضائه، كما ظهر في هجوم البحسني ضد العليمي.

إن استمرار هذه الديناميكية يضع مستقبل الحكومة على المحك، وقد يقود إلى مزيد من الفوضى الاقتصادية والإدارية ما لم تُعالج جذور الأزمة، التي تتمثل في غياب سلطة مركزية موحدة، وتضارب الأجندات السعودية والإماراتية داخل بنية السلطة، وفقدان الرياض القدرة على ضبط المحافظات رغم دعمها المالي الضخم.

وبذلك، يصبح الدعم السعودي مجرد “مسكن مؤقت” لا يعالج المرض الحقيقي: تفكك السلطة وتعدد مراكز القرار في جنوب اليمن.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com