“تقرير خاص“| جنوب اليمن على صفيح ساخن: السعودية تعيد رسم خرائط النفوذ.. وتمهّد لمرحلة انفصال ناعمة..!
أبين اليوم – خاص
تشهد المحافظات الجنوبية والشرقية لليمن تحولات عسكرية غير مسبوقة، مع بدء السعودية سحب جميع فصائلها المسلحة من هذه المناطق باتجاه حضرموت التي سقطت مؤخراً بيد الفصائل الموالية للإمارات.
وترافق هذا مع إجلاء كامل للطواقم العسكرية السعودية من عدن، في خطوة أثارت كثيراً من التساؤلات حول دوافع الرياض وخياراتها المستقبلية في هذه الساحة الملتهبة.
ورغم التقديرات التي تحدّثت عن وجود سيناريو سعودي يستهدف تقليص نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي، إلا أن مجريات الأحداث على الأرض تكشف اتجاهاً مختلفاً تماماً:
إعادة تجميع قوات “درع الوطن” في حضرموت لا تنسجم مع هدف إسقاط الانتقالي، بل تبدو أقرب إلى خطة لحماية العمق الحدودي السعودي عبر بناء منطقة نفوذ آمنة.
– منطقة عازلة لا معركة إسقاط:
تُظهر التحركات السعودية سعيًا لإنشاء منطقة عازلة تمتد على طول حدودها الجنوبية الشرقية، من خلال تعزيز وجود قوات موالية لها وإبقاء الانتقالي بعيداً عن خطوط التماس الحساسة، مع تجنّب أي مواجهة مباشرة مع الفصائل المدعومة إماراتياً.
هذه المقاربة تشير إلى أن الرياض لا تبحث عن صدام، وإنما عن ترتيب للخارطة يسمح لها بحماية حدودها، والإمساك بالمناطق الأكثر حساسية، وخصوصاً الهضبة النفطية في حضرموت.
تقاسم نفوذ.. لا صدام سعودي–إماراتي:
الانسحابات السعودية الهادئة وإعادة الانتشار المدروس نحو مناطق تعتبرها أولوية أمنية قصوى، تتناغم مع إبقاء الانتقالي الجنوبي مسيطراً على عدن ومحافظات جنوبية أخرى.
هذا لا يبدو خطوة عشوائية، بل هو جزء من تفاهمات غير معلنة بين الرياض وأبوظبي، تتعلق بإدارة المحافظات الجنوبية والشرقية، وربما تهيئتها لسيناريو انفصال تدريجي عن شمال اليمن في المستقبل، بما يتوافق مع مصالح الطرفين.
– المؤشر الأخطر: انهيار اقتصادي يلوح في الأفق:
تحذيرات رشاد العليمي الأخيرة من الرياض، حول تداعيات اقتصادية ومعيشية خطيرة، تكشف جانباً مظلماً من المشهد.
فالسعودية، التي ترفض دعم المناطق الخاضعة للانتقالي، تدفع عملياً نحو انهيار اقتصادي سيكون المواطن الجنوبي أول ضحاياه.
ومع فساد الانتقالي وفشل إدارته، وتغوّل الإمارات في السيطرة على الموارد والثروات، تتصاعد المخاوف من مشهد سيجلب فوضى اقتصادية شاملة، قد تكون جزءاً من ترتيبات هندسة سياسية جديدة في الجنوب.
– دور القوى الكبرى:
تسعى القوى الكبرى – وفي مقدمتها الولايات المتحدة وكيان الاحتلال” – إلى تفكيك اليمن وإضعافه بما يتوافق مع مشاريع إعادة تشكيل المنطقة.
الجنوب اليوم، بموقعه وثرواته وشريطه البحري، يشكل محوراً أساسياً في هذه الاستراتيجية، ومعركة النفوذ الجارية ليست سوى جزء من مخطط أوسع لضمان بقاء المنطقة مفككة ومتاحاً التحكم بها.
وعليه يمكن القول:
التحركات العسكرية السعودية ليست تراجعاً بل إعادة تموضع محسوبة تهدف لحماية الأمن السعودي وتثبيت نفوذ طويل الأمد في حضرموت عند نقطة التماس مع الحدود.
في المقابل، تحافظ الرياض على الانتقالي كأداة محلية لإدارة الجنوب دون تمكينه من تجاوز الحدود المرسومة له.
النتيجة أن الجنوب يسير نحو مرحلة فرز جيوسياسي جديد، قد يكون انفصالياً أو شبه انفصالي، وفق تفاهمات سعودية–إماراتية مدعومة دولياً، بينما يدفع المواطن الثمن الأكبر اقتصادياً ومعيشياً.
ومع استمرار التنافس الخفي بين الرياض وأبوظبي، وتغلغل القوى الكبرى في المشهد، يتجه اليمن نحو مرحلة تعيد صياغة خريطته بالكامل – حيث يصبح الجنوب ساحة إدارة مشتركة أكثر منه كياناً مستقلاً، والهدف النهائي: ضمان تفوق القوى الكبرى في البحر والموارد.. وإبقاء اليمن ضعيفاً وممزقاً.