“تقرير خاص“| صفقة القرن الغازية: الانبطاح المصري وتمويل البنية التحتية الإسرائيلية بـ 35 مليار دولار..!
أبين اليوم – خاص
على مر السنوات، قدمت مصر نفسها كدولة غنية بالموارد الطاقية، وكمصدر للغاز الطبيعي في المنطقة العربية. لكن الاتفاقية الأخيرة لتوريد الغاز الإسرائيلي إلى مصر، والتي وصفها نتنياهو بأنها “أكبر صفقة في تاريخ إسرائيل”، تكشف الوجه الحقيقي للتحول الاستراتيجي المصري: من منتج للغاز إلى مستورد خاضع لشروط الاحتلال، مع إعطاء تل أبيب سيطرة شبه كاملة على موارد مصر الطاقية، المالية والسياسية.
هذه الصفقة ليست مجرد اتفاق تجاري، بل نموذج واضح للارتهان والعمالة السياسية والاقتصادية، حيث تتحول الموارد المصرية إلى أداة تمويلية لبنية تحتية إسرائيلية، بينما يُخضع الاعتماد المصري على الغاز الإسرائيلي الأمن الوطني والسيادة الاقتصادية للقاهرة.
تفاصيل الصفقة:
أعلن رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن المصادقة على اتفاقية غاز مع مصر، بقيمة إجمالية تبلغ 112 مليار شيكل، منها 58 مليار شيكل ستدخل مباشرة إلى خزينة الدولة.
وأكد نتنياهو أن الصفقة تحمل أبعاداً اقتصادية وسياسية هامة، مشيراً إلى أنه صادق عليها بعد مراجعة “الاعتبارات الأمنية الضرورية”، دون الكشف عن تفاصيل تلك الاعتبارات لحساسيتها.
وتشير التقديرات إلى أن العائدات ستبدأ بنحو نصف مليار شيكل خلال السنوات الأربع الأولى، لتصل لاحقاً إلى نحو 6 مليارات شيكل سنوياً، فيما تبلغ قيمة الصفقة وفق موقع “آكسيوس” الأمريكي نحو 35 مليار دولار.
وبحسب الاتفاقية، الموقعة في أغسطس الماضي، ستستورد مصر 130 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي على مدى 15 عاماً، مع زيادة السعر بنسبة 14.8% مقارنة بالاتفاقيات السابقة، بما يعني دفع مصر نحو 35 مليون دولار إضافية عن كل مليار متر مكعب. ويأتي ذلك في ظل فجوة طاقية كبيرة في مصر، إذ بلغ الإنتاج المحلي من الغاز 4.2 مليار قدم مكعبة يومياً، بينما الاستهلاك يصل إلى 6.8 مليار، مما يجعل مصر تعتمد على واردات إسرائيلية بنسبة 60% من إجمالي احتياجاتها، مع خطط لرفع الواردات إلى 1.3 مليار قدم مكعبة يومياً بنهاية 2025.
وتحقق إسرائيل من الصفقة مكاسب مالية كبيرة، إذ تحصل خزينتها على أكثر من نصف قيمة الصفقة من الضرائب والإتاوات، كما تمثل هذه الأموال دعمًا لتطوير المرحلة الثانية من حقل “ليفياثان” ومد خط أنابيب جديد عبر “نيتسانا”، أي أن مصر تمول فعلياً البنية التحتية الطاقية لإسرائيل. ويُظهر الاتفاق كذلك أن الغاز يتحوّل إلى أداة سياسية واستراتيجية، تمنح تل أبيب قدرة على التأثير المباشر على الأمن القومي المصري، كما حدث في أكتوبر 2023 عندما توقفت الإمدادات مؤقتاً، مهددة القاهرة بانهيار طاقي مفاجئ في أي حالة توتر.
وعليه يمكن القول:
الاتفاقية الغازية الأخيرة هي أكثر من مجرد صفقة اقتصادية؛ إنها شهادة صريحة على حجم الانبطاح المصري أمام الاحتلال، وعمق العمالة والارتهان لمصالح إسرائيلية. ما كان يُقدّم شعارات عن العداء المعلن، بات اليوم مجرد ستار لتغطية خضوع كامل لمصالح الاحتلال، وتحويل الموارد الوطنية إلى أدوات ضغط واستغلال مباشر.
تحول مصر من دولة منتجة للغاز إلى مستورد يعكس فشل السياسات الوطنية في حماية السيادة الاقتصادية والأمنية، ويضع الشعب المصري في موقف هش أمام أي توتر مستقبلي.
استمرار هذا المسار يعني استمرار الانبطاح، وزيادة قدرة الاحتلال على استخدام الغاز كأداة ابتزاز واستغلال، مع انعكاسات كارثية على الاقتصاد الوطني ومستقبل الأجيال.
إن الحلول البديلة واضحة: تنويع مصادر الطاقة، تطوير الغاز المحلي والمتجدد، واستعادة السيادة الطاقية والسياسية، لضمان استقلال القرار الوطني وحماية الموارد الوطنية من أي استغلال خارجي.
المكاسب المالية لإسرائيل ضخمة، سواء من الضرائب والإتاوات أو من تمويل البنية التحتية للمرحلة الثانية من حقل “ليفياثان”، مما يضع القاهرة في موقف يعتمد فيه بشكل كبير على الإمدادات الإسرائيلية لتلبية حاجاتها الحيوية.
كما تكشف الصفقة هشاشة استراتيجية مصرية في ملف الطاقة، حيث تُحرم البلاد من استقلالية حقيقية في مواجهة أي توترات مستقبلية، ويُصبح الغاز سلاحًا جيوسياسيًا يُوظف لتأمين المصالح الإسرائيلية في الإقليم، وهو ما يفرض على القاهرة إعادة النظر في سياساتها الطاقية والأمنية بشكل عاجل لضمان الحد الأدنى من السيادة والاستقرار الداخلي.