“تقرير خاص“| زيارة البركاني إلى عدن: من قناع الشرعية إلى شرعنة الانفصال..!
أبين اليوم – خاص
اليمن، منذ عقود، كان ساحة لتقاطع مصالح محلية وإقليمية ودولية، حيث تتشابك المصالح الطائفية والسياسية مع حسابات النفوذ الإقليمي، ما جعل أي تحول على الأرض يحمل انعكاسات تتجاوز حدوده الجغرافية.
في هذا السياق، أصبحت زيارة سلطان البركاني إلى عدن أكثر من مجرد حدث سياسي بروتوكولي؛ فهي مرآة تكشف تحولات جوهرية في بنية السلطة اليمنية، ومؤشرًا على إضعاف سلطة الدولة المركزية لصالح كيانات إقليمية مدعومة بالمال والسلاح.
هذه الزيارة تكشف ديناميكية جديدة؛ إذ تُستخدم الرموز والسياسات الشكلية – مثل اختيار القصر الرمزي وغياب العلم الرسمي – لترسيخ واقع سياسي غير معلن، يُحوّل الانفصال في الجنوب والشرق من مشروع محتمل إلى وضع واقع تُعزز أدواته على الأرض قبل أن يُعلن رسميًا.
من منظور أعمق، يمثل هذا التحول إعادة تعريف لسلطة الدولة، حيث تصبح المؤسسات الرسمية، بما فيها البرلمان والجيش، أدوات لإضفاء غطاء سياسي على كيانات انفصالية تمارس السيطرة الفعلية، فيما يبقى خطاب الوحدة مجرد واجهة دبلوماسية أمام المجتمع الدولي.
هذه الديناميكية تبرز بوضوح حجم التأثير الإقليمي على المشهد اليمني، وتوضح أن أي قراءة للوضع الراهن لا يمكن أن تقتصر على الموازين الداخلية فحسب، بل يجب إدراكها كصفقة متشابكة بين قوى إقليمية تسعى إلى تثبيت نفوذها الاستراتيجي عبر أدوات محلية، تجعل الواقع السياسي أكثر تعقيدًا من أي نصوص أو شعارات رسمية.
لم تكن زيارة ما يُسمى رئيس مجلس النواب الموالي للتحالف، سلطان البركاني، إلى عدن مجرد محاولة لإصلاح ما يُعرف بمعسكر “الشرعية” في اليمن، كما حاول الإعلام ترويجها، بل جاءت كخطوة استراتيجية ضمن مسار عملي لتكييف الوضع السياسي مع واقع السيطرة الفعلية للمجلس الانتقالي الجنوبي على محافظات جنوب وشرق اليمن.
توقيت الزيارة يعكس هدفها الحقيقي، إذ جاءت بعد أن تمكنت السعودية والإمارات من تثبيت نفوذ المجلس الانتقالي، عقب إقصاء القوى العسكرية والأمنية الموالية للشرعية، لا سيما في حضرموت والمهرة.
وبذلك، تنتقل الدولتان من إدارة الصراع عسكريًا إلى إعادة صياغته سياسيًا، ما يمنح النتائج الميدانية غطاءً رسميًا، دون الحاجة إلى إعلان الانفصال بشكل مباشر، مع تجنب الكلفة السياسية والإقليمية والدولية.
اختيار قصر معاشيق مكانًا للقاء البركاني مع عيدروس الزبيدي يحمل دلالات سيادية عميقة؛ فالقصر، الذي يمثل رمز سلطة الدولة اليمنية المزعومة، أصبح منصة للاعتراف الفعلي بمجلس موازٍ يتصرف كحكومة أمر واقع في الجنوب.
ويزداد المعنى وضوحًا مع استقبال رئيس مجلس النواب من قبل رئيس الانتقالي في هذا الموقع، ما يشير إلى إعادة تعريف العلاقة بين “الشرعية” والانتقالي على أساس النفوذ الواقعي لا وحدة الدولة.

غياب علم الجمهورية اليمنية عن اللقاء لم يكن مجرد سهو بروتوكولي، بل رمزًا ضمنيًا يشير إلى قبول بأن اللقاء جرى خارج إطار الدولة الموحدة، ويعكس الانقسام الرمزي للبلاد بما يتماشى مع مشروع الفصل الواقعي دون إعلان رسمي.
كما أن حضور كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين الموالين للتحالف، من وزير الدفاع إلى قادة المناطق العسكرية، يمنح هذا المسار بعدًا مؤسسيًا، إذ تبدو المؤسسة العسكرية جزءًا من عملية منح الغطاء السياسي للمجلس الانتقالي لإدارة المحافظات الجنوبية والشرقية، مقابل حصر دور “الشرعية” في وظيفة تمثيلية خارجية محدودة.
وبالتالي، يمكن قراءة زيارة البركاني إلى عدن كخطوة ضمن صفقة غير معلنة، تمكّن المجلس الانتقالي من إدارة جنوب وشرق اليمن بالكامل سياسيًا وأمنيًا، بينما تُبقي “الشرعية” كغطاء دبلوماسي هش أمام المجتمع الدولي، لتأجيل القرارات الجوهرية حول الانفصال إلى وقت لاحق.
وبذلك، لا تُعد الزيارة حدثًا عابرًا، بل محطة مهمة في مسار شرعنة الانفصال جنوب اليمن، الذي قد يتحول إلى إعلان رسمي بمجرد انخفاض كلفته السياسية بالنسبة للإمارات والسعودية.
وعليه يمكن القول:
زيارة سلطان البركاني إلى عدن لا تمثل نهاية المشهد السياسي فحسب، بل تجسيد لمرحلة جديدة في مسار الانفصال الفعلي للجنوب والشرق اليمني.
فهي تثبت أن ما يُسمى بالشرعية لم يعد سوى واجهة رمزية أمام المجتمع الدولي، بينما تنتقل السلطات الفعلية إلى كيانات مدعومة إقليميًا، قادرة على إدارة الأرض والسياسة والأمن وفق حسابات النفوذ الخارجي.
الرموز والبروتوكولات، من قصر معاشيق إلى غياب العلم الرسمي، لم تعد تفاصيل شكلية، بل أدوات لتثبيت واقع الانقسام السياسي والمؤسسي، وإعادة تعريف سلطة الدولة على أسس جديدة يفرضها الواقع العسكري والاقليمي.
ومع استمرار هذا النهج، يصبح الانفصال الجنوب-شرقي واقعًا مُشرعنًا عمليًا، ما يجعل أي خطاب عن وحدة الدولة مجرد واجهة دبلوماسية، تؤجل القرارات الجوهرية إلى لحظة أكثر ملاءمة للفاعلين الإقليميين، بينما يستمر الواقع على الأرض في تشكيل خارطة السلطة القادمة.
كما توضح زيارة البركاني أن الواقع على الأرض قد تجاوز الخطاب الرسمي للشرعية، إذ باتت الإمارات والسعودية تدير الجنوب والشرق عبر المجلس الانتقالي، مع تحويل ما يُسمى بالشرعية إلى دور شكلي ودبلوماسي بحت.
الرموز والسياسات المتبعة في اللقاء تكشف أن الانفصال أصبح واقعًا مُشرعنًا ضمنيًا، وأن أي حديث عن وحدة الدولة أصبح مرتبطًا بمناورات خارجية أكثر منه بقدرة فعلية على الأرض.
هذه الزيارة تمثل انعكاسًا عمليًا للتحولات الاستراتيجية في اليمن، حيث تُستخدم اللقاءات الرمزية لترسيخ واقع الانفصال قبل أن يُعلَن رسميًا.