“تقرير خاص“| حضرموت على خط الزلازل: حسمٌ خاطف للانتقالي يكشف “إدارة صراع” بين الرياض وأبوظبي لا “معركة نفوذ” فقط..!

7٬882

اليوم – خاص 

حسمت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعومة من الإمارات، خلال ساعات، السيطرة على مناطق ومدن وادي وصحراء حضرموت الشاسعة، في مشهد يؤكد أن ما جرى لا يرقى إلى مستوى المعركة العسكرية، بل كان انتقالاً سريعاً للنفوذ وفق ترتيبات غير معلنة.

فبينما كانت قوات الانتقالي تتسلم المواقع والمعسكرات التابعة للمنطقة العسكرية الأولى دون مقاومة تذكر، حرصت على عدم الاقتراب من معسكرات “قوات درع الوطن” الموالية للسعودية.

وفي الوقت نفسه، وصل وفد من الاستخبارات السعودية إلى مطار المكلا، في خطوة تعكس نهج الرياض في إدارة الأزمات من خلف الكواليس، والإبقاء على مسار الأحداث تحت مظلتها، بغضّ النظر عن أطرافها وأسمائهم.

وتشير التطورات المتسارعة في وادي حضرموت إلى أن ما حدث كان إعادة رسم لخارطة النفوذ بين الإمارات والسعودية؛ إذ يخوض الطرفان صراعًا حساسًا على مناطق اليمن الشرقية، الغنية بالنفط والمطلة على ممر التجارة الدولية في بحر العرب.

ورغم حدّة الخلافات بين الطرفين، إلا أن السعودية تتجنب دفع قوات “درع الوطن” ذات الخبرة المحدودة إلى مواجهة مباشرة مع قوات الانتقالي الأكثر تدريبًا وتسليحًا، مفضلة الرهان على ثقلها السياسي لفرض وقائع جديدة والحد من توسع الفصائل الموالية لأبوظبي، دون الدخول في صدامات مفتوحة.

الخلافات بين الطرفين، التي تتقلب بين المواجهة عبر وكلاء محليين، والحوارات الاستخباراتية المغلقة، تُظهر أن الرياض وأبوظبي تديران صراعهما بطريقة تبقي على حضور كل منهما في المشهد اليمني. فالمملكة ما تزال قادرة على تمرير قرارات في مناطق سيطرة الانتقالي – خصوصًا في عدن – وتستطيع كبح بعض سياسات المجلس عبر أبوظبي.

في المقابل، أثبتت الإمارات أنها تمتلك خبرة في إسقاط المناطق التي كانت موالية نظريًا للسعودية، من عدن وأبين وشبوة وسقطرى وصولًا إلى وادي حضرموت، بينما اكتفت الرياض غالبًا باستيعاب المتغيرات والضغط للحفاظ على نفوذ سياسي فوق الأنقاض.

ومع أن الإمارات تراهن على قوة فصائلها المسلحة حين تشعر بأنها تُقصى من المشهد الجنوبي، إلا أن السعودية تراهن بالمقابل على قدرتها على التحكم السياسي وتغيير المشهد دون اكتراث بمصير القوى المحلية الموالية لها.

ولا يمكن النظر إلى أحداث حضرموت بمعزل عن مسلسل الصراع ذاته الذي شهدته شبوة وأبين وعدن وسقطرى – مناطق حسمتها الإمارات عسكريًا، بينما بقيت الرياض ممسكة بخيوط النفوذ فيها بعد التخلي عن حلفائها المحليين.

ويبقى السؤال: هل يكون حلف قبائل حضرموت وزعيمه الشيخ عمرو بن حبريش الضحية الجديدة للصراع السعودي – الإماراتي، كما حدث لمن سبقهم في المحافظات الجنوبية؟

وعليه يمكن القول:

تؤكد تطورات وادي حضرموت أن الصراع بين السعودية والإمارات لم يعد يدور حول “منطقة تسقط وأخرى تُستعاد”، بل أصبح إدارة نفوذ متبادلة تتقاسم فيها العاصمتان الخليجيتان الجنوب اليمني وفق معادلة دقيقة: الإمارات تحسم عسكرياً، والسعودية تضبط سياسياً.

ومع سقوط المنطقة العسكرية الأولى، ثم انسحاب حلف القبائل بعد الضمانات السعودية التي انهارت سريعًا، يتضح أن حضرموت دخلت مرحلة جديدة: مرحلة تُرسم فيها الخرائط لا بالمعارك، بل بـ“توازنات الضرورة” بين الرياض وأبوظبي، على حساب القوى المحلية التي تجد نفسها ـ مرة بعد أخرى ـ وقودًا في صراع أكبر منها.

وفي قلب هذا المشهد المتشابك يبرز الدور الأمريكي بوصفه الضابط غير المُعلن لإيقاع التحولات الجارية في اليمن والقرن الإفريقي. فواشنطن، التي تعتمد استراتيجية “التحكم عن بُعد” عبر قواعدها في خليج عدن والبحر الأحمر، تعمل على إعادة توزيع مراكز النفوذ بما يضمن بقاء خطوط الطاقة والممرات البحرية تحت مراقبتها المباشرة أو غير المباشرة.

وتستفيد الولايات المتحدة من تنافس الرياض وأبوظبي لتعزيز وجودها الاستخباراتي والعملياتي، خصوصاً عبر القواعد التي تحوّلت إلى منصّات مشتركة تُستخدم أحيانًا من أطراف أخرى كـ”إسرائيل” في إطار التعاون الأمني المتصاعد داخل البحر الأحمر والمحيط الهندي.

هذا التداخل يجعل التحركات الإماراتية والسعودية في حضرموت والمهرة وشبوة جزءًا من لوحة أكبر، تُدار فيها الحسابات الأمريكية بدقة لضمان عدم خروج أي حليف إقليمي عن حدود الدور المرسوم له.

أما على مستوى مسارات التصعيد المقبلة، فتبدو المهرة وشبوة مرشحتين لمرحلة أكثر سخونة. في المهرة، تتزايد المؤشرات على احتمال اشتعال صراع نفوذ جديد، إذ تسعى السعودية إلى إعادة تثبيت حضورها المتضائل في المحافظة عبر مشاريع أمنية وتموضع عسكري، في حين ترى الإمارات أن أي توسّع سعودي على حدود عُمان يقلّص هامش مناورتها ويهدد خطوطها البحرية نحو بحر العرب.

هذا التناقض قد يدفع الطرفين إلى استخدام الوكلاء المحليين بصورة أكبر، سواء عبر فصائل مدعومة مباشرة أو شبكات نفوذ قبلية. أما في شبوة، فإن دخول قوات إضافية تابعة للإمارات وتحوّل المحافظة إلى ممر نحو الهضبة النفطية يرفع احتمالات الاحتكاك العسكري، خاصة إذا شعرت الرياض بأن السيطرة الإماراتية تتجه لكسر معادلة التوازن التي حاولت بناءها خلال العامين الماضيين.

وهكذا تصبح المحافظتان مسرحاً مفتوحاً لاحتمالات الانفجار التدريجي، ضمن صراع متعدد المستويات يمتد من خطوط الطاقة حتى حسابات البحر العربي والمحيط الهندي.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com