“مقالات“| عدن.. حين يُقمع الوجع ويُهان الأمل..!

4٬891

أبين اليوم – خاص 

بقلم/ سالم عوض الربيزي:

في كل مدينة تخرج فيها الجماهير للمطالبة بحقوقها، يتقدم الأمل، ويصطف الوجع في صفوف الحالمين بالتغيير. إلا في عدن، حيث يُساق الأمل إلى الزنازين، وتُسحق الكرامة تحت أقدام من ادّعوا تمثيلها.

خرج أبناء عدن لا لهتاف سياسي، ولا لاستعراض حزبي، بل فقط للمطالبة بما تبقى من شرايين الحياة: كهرباء تنير عتمة الأيام، ماء يروي أطفالهم، علاج لمرضاهم، وتعليم لأجيالهم. خرجوا بسلام، بهتاف مهذب، بوجوه أحرقتها الشمس وقلوب أثقلها القهر… فعادوا إلى بيوتهم مثخنين بالغازات، بالقمع، بالخذلان.

هكذا واجهت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي مواطنيها. لا بحلول، لا بوعود، بل بالقوة الغاشمة، وبأساليب لم يختلف فيها القامع عن من كانوا بالأمس خصومًا يتهمهم الانتقالي بقمع الجنوب وإذلاله.

السؤال الجوهري هنا: لماذا يُقمع هذا الشعب؟ ولماذا يصمت من كان يزعم أنه يحمل قضيته؟

هل بات المجلس الانتقالي، وهو الذي صعد على أكتاف تضحيات هذا الشعب، يرى في مواطني عدن “خصومًا” لأنهم فقط طالبوا بحقهم في الحياة؟ هل أصبحت مطالب الخدمات خيانة؟ وهل صار صوت أم الشهيد مهددًا للنظام العام؟

لقد كان الأجدر بقيادة الانتقالي أن تتقدم الصفوف، أن ترفع هذه المطالب على المنابر، أن تعيد الثقة إلى شعب بات لا يجد في واقعه سوى تكرار الوجع، وتبادل الأدوار بين القامع والقامع السابق.

لكن ما حدث هو العكس تمامًا. انكشف الغطاء، وسقط القناع. فبدل أن تكون السلطة بيد الشعب، بات الشعب ضحية لسلطة تحوّلت إلى أداة قهر بيد أطراف محلية وأجنبية لا ترى في عدن إلا ساحة لتصفية الحسابات ومسرحًا لتجريب الفشل.

خطاب المجلس الذي طالما تحدّث عن “حرب الخدمات” لم يعد يقنع أحدًا، لأن السلطة التي تشارك في الحكم، وتُمسك بمفاصل الدولة، لا يمكنها أن تبرّر الفشل بالقوى الأخرى دون أن تتحمّل المسؤولية المباشرة. كيف تقمعون الناس لأنهم يطالبون بما تعترفون أنتم بأنه يُنتزع منهم عمدًا؟ أين النزاهة؟ أين المصداقية؟

عدن اليوم في مفترق طرق. وشعبها، الذي صبر طويلًا، لم يعد يحتمل المزيد من الأكاذيب. لم تعد الشعارات تكفي، ولم يعد بالإمكان خداع الجياع والمرضى والمكلومين. ما لم يتم استعادة البوصلة، وتصحيح المسار، فإن ما يتآكل اليوم هو ما تبقى من شرعية الانتقالي، وما يُهدَر هو ما تبقى من كرامة هذا الوطن.

السلطات التي تقمع شعبها لم تبقَ يومًا، ولن تُمحى ذاكرة الجرح. وما حدث في شوارع عدن هو وصمة لا يمحوها خطاب، ولا يبررها إعلام. بل يُصحّح فقط بفعل شجاع: الانتصار للناس، والاعتراف بالخطأ، والعودة إلى أصل الحكاية… أن هذه الأرض لا يحميها إلا من يحبها، ولا يبنيها إلا من يسمع أنينها لا من يُسكت صراخها.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com