“تقرير“| ما وراء إعادة التموضع الأمريكي والخليجي في البحر الأحمر..!
أبين اليوم – تقارير
تُعيد الولايات المتحدة رسم إستراتيجيتها في المياه اليمنية الممتدة من البحر الأحمر إلى خليج عدن والبحر العربي، وصولاً إلى المحيط الهندي، وفقاً لمقاربة جديدة تختلف جذرياً عن تلك التي اعتمدتها في السابق.
وتقوم هذه المقاربة على حزمة من الخطط والبرامج المتوسطة والبعيدة المدى، والمستندة إلى شبكة التحالفات الإقليمية، وذلك في محاولة من واشنطن لاستعادة نفوذها البحري وإعادة بناء حضورها العسكري، فضلاً عن إضعاف القوة اليمنية الصاعدة، التي باتت تمتلك زمام المبادرة في بعض الممرات البحرية الحيوية، وعلى رأسها مضيق باب المندب والطرق التجارية المرتبطة به.
وإذ تدرك الولايات المتحدة أن خسارتها زمام المبادرة في المياه اليمنية تعني انكشافاً خطيراً لنفوذها في الشرق الأوسط، فهي باتت تنظر إلى البحر الأحمر والبحر العربي والمحيط الهندي، كسلسلةٍ مترابطةٍ تجب إعادة إحكام السيطرة عليها، ليس لاحتواء القدرات اليمنية فقط، بل أيضاً للتصدي للحضور المتنامي لكلّ من الصين وروسيا وإيران.
ومن هذا المنطلق، تُدرج الإدارة الأمريكية في خططها الجديدة مفهوم الردع البحري المتعدّد الاتجاهات، الذي يجمع بين الأدوات العسكرية والسياسية والاقتصادية، بغية منع خصومها من تحويل هذه الممرات إلى مراكز نفوذ بديلة من النظام البحري الذي تقوده واشنطن منذ عقود.
وتُعتبر أراضي الدول المجاورة للمياه اليمنية هدفاً مباشراً للتواجد الأمريكي، خصوصاً منها الأراضي السعودية المطلّة على البحر الأحمر، حيث أظهرت صور جوية حديثة أن واشنطن تسرّع بناء قاعدة يطلق عليها اسم «جينكنز» على بُعد نحو 20 ميلاً من ساحل البحر الأحمر غربي السعودية، بين منطقتَي ينبع والوجه.
وستُستخدم القاعدة كمركز لتخزين الإمدادات والذخائر والمعدات الثقيلة، وهي تعدّ جزءاً من خطة أوسع لتمكين الجيش الأمريكي من إعادة الانتشار السريع في البحر الأحمر وخليج عدن، في حال اندلاع أزمات أو عمليات عسكرية في القرن الأفريقي أو اليمن أو شرق المتوسط.
كذلك، تلعب الإمارات دوراً رئيسياً في المخطّط المذكور؛ إذ يُناط بها تعزيز تواجدها في الجزر اليمنية الحيوية، سواء في البحر العربي أو البحر الأحمر.
وبحسب تقرير نشرته وكالة «أسوشيتد برس»، بداية الأسبوع، أظهرت صور الأقمار الصناعية بناء مهبط طائرات جديد في جزيرة زقر البركانية التي تتمتّع بموقع إستراتيجي في البحر الأحمر قبالة الحديدة؛ ووفقاً لتقرير الوكالة، قد يمنح هذا المهبط واشنطن القدرة على إجراء مراقبة جوية فوق البحر الأحمر وخليج عدن ومضيق باب المندب.
أيضاً، يُظهر تحليل تتبّع السفن حركة ناشطة لسفن مرتبطة بالإمارات من دبي وبربرة في أرض الصومال، التي تدير فيها شركة «موانئ دبي العالمية» أحد الموانئ، في حين أكدت شركة «سيف للشحن والخدمات البحرية»، ومقرها دبي، أنّها تلقت طلباً لتوصيل الإسفلت إلى جزيرة زقر، حيث يُرجَّح أنّه استُخدم في بناء المدرج.
ولا يُعتبر تموضع الإمارات الجديد في زقر منعزلاً عن الخطة الأوسع، التي تشمل بناء أو توسيع قواعد عسكرية ومدارج ومرافق أخرى في جزيرتي عبد الكوري وسمحة في أرخبيل سقطرى الذي تنشط فيه الآن شركة «جنوب السودان للنقل»؛ وفي مطاري بوساسو وبربرة في بونتلاند وأرض الصومال؛ وموكا في اليمن؛ وميون، وهي جزيرة بركانية مطلة على مضيق باب المندب، الذي يتم عبره شحن نحو 30% من نفط العالم.
وليست إسرائيل بعيدة من هذه الشبكة من القواعد والمدارج والموانئ التي بُنيت أساساً لتسهيل السيطرة الإماراتية بالوكالة عن الأميركيين والإسرائيليين على الامتداد الحيوي للمياه اليمنية والإقليمية. وفي هذا الإطار، أورد «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، في أحد منشوراته قبل أيام، أن التحالفات الدفاعية الجوية المتعدّدة الأطراف أصبحت عنصراً أساسياً في المشهد الدفاعي في الشرق الأوسط بعد السابع من أكتوبر، حيث تتقاسم البلدان أنظمة الرادار والاستخبارات والإنذار المبكر.
وبناءً عليه، ليس مستغرباً أن تُستخدم تلك القواعد من قبل أميركا وإسرائيل في الصراع ضد «محور المقاومة»، بما يشمل مثلاً استهداف «أسطول الظلّ» الإيراني الذي يستخدم للالتفاف على العقوبات الأمريكية على طهران، وربما لاحقاً استهداف «أسطول الظلّ» الروسي في حال تطوّرت الأوضاع بين واشنطن وموسكو.
ووضعت مصادر يمنية مطلعة استهداف عدد من السفن الراسية أو المتجهة إلى الموانئ اليمنية، كما حصل في نهاية الأسبوع، إذ تحدّثت تقارير عن تعرض ناقلة محمّلة بالغاز متجهة إلى اليمن لاعتداء، ضمن محاولة تل أبيب خنق الاقتصاد اليمني.
وفي هذه الحالة، قد يأخذ الصراع في المستقبل القريب منحى أوسع، إذا ما أرادت صنعاء الردّ على الدول التي تساعد الكيان الإسرائيلي في استهداف اليمن أو محاولة خنقه، بالاستفادة من أراضيه.
وكانت صدرت في الآونة الأخيرة تصريحات ولمواقف لمسؤولين يمنيين، وجّهوا فيها أصابع الاتهام إلى كلّ من الرياض وأبو ظبي بالمسؤولية المباشرة عن استهداف اليمن وتسهيل عمل الإسرائيليين ضده، كما نصحوا العاصمتين بعدم الدخول في صراع مع بلادهم، من بوابة المصالح الأميركية والإسرائيلية.
وفي السياق انضمت السعودية، مجددًا لسباق السيطرة على أهم الممرات الملاحية في الخليج. يأتي ذلك بالتزامن مع حراك دولي وإقليمي للسيطرة عليه.
وأعلنت السعودية توقيع اتفاقية مع جيبوتي تستحوذ بموجبها على أهم موانئها عند الضفة المقابلة لباب المندب، والمعروف بـ“تاجورة”.
وستستولي السعودية بموجب الاتفاقية على الميناء الأهم لثلاثة عقود قادمة.
وجاءت خطوة السعودية في خضم سباق محموم للسيطرة على الجزر والسواحل اليمنية المطلة على الممر البحري الهام، برز بإنشاء قواعد إماراتية وإسرائيلية وأمريكية هناك، آخرها في جزيرة زُقَر.
وتُجري أطراف الحرب عمليات إنشاء قواعد في المنطقة الممتدة على طول الجزر والشريط الساحلي لباب المندب، بدءاً من المخا وحتى خليج عدن، بينما تدفع أمريكا نحو انفصال صومالي لاند المطلة على الخليج، لاستكمال سيطرتها على كافة السواحل الموصلة بالمحيط الهندي وبحر العرب.
وتعكس الخطوة السعودية حجم المخاوف من استبعادها من المنطقة الحيوية، والتي تُعد ممرها لتصدير النفط إلى الأسواق العالمية.
وتأتي أيضاً في سياق حملة واسعة تهدف للسيطرة على الموانئ الممتدة من البحر الأحمر وخليج عدن وصولًا إلى بحر العرب والمحيط الهندي، حيث تدفع أمريكا نحو منح “صومالي لاند” (أرض الصومال) انفصالًا مقابل قواعد تُبنى على شريطها الساحلي عند خليج عدن.
وما يثير المخاوف على الأمن القومي العربي برمته هو دفع أطراف نحو تمكين إثيوبيا للحضور على باب المندب بميناء في “صومالي لاند”، وهو ما يعد بمثابة مسمار آخر في خاصرة مصر الغائبة عن المشهد.
كما تندرج السيطرة على باب المندب ضمن استراتيجية أمريكية – إسرائيلية تهدف للتحكم بالممر البحري الهام، في إطار إخضاع المنطقة ودول كبرى كالصين، الذي يُعد أهم ممراتها أيضاً.
المصدر : الأخبار اللبنانية