“تقرير“| من باب المندب إلى نيوم .. اليمن في معادلة التحالف السعودي الإسرائيلي..!

7٬993

أبين اليوم – تقارير 

تقرير/ إبراهيم القانص:

تشير تقارير إسرائيلية إلى أن الاتصالات بين المملكة العربية السعودية وكيان الاحتلال لم تنقطع في أي وقت، وأن عملية التطبيع تمضي بخطى حذرة ومدروسة، رغم تعثرها مؤقتاً بسبب حرب غزة. ويبدو أن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تُنعش هذه المساعي، إذ يُنظر إليه كمهندس “اتفاقيات إبراهيم” التي فتحت الباب أمام تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية.

لكن خلف هذه الرواية التي تُقدّم التطبيع بوصفه خطوة “استراتيجية”، يختبئ تحوّل عميق في بنية الموقف السعودي من القضايا العربية المركزية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، فضلاً عن موقف الرياض من اليمن الذي يُشكّل الجبهة الأكثر اشتعالاً في مواجهة المحور الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة.

تُقدّم القيادة السعودية التطبيع مع الكيان الإسرائيلي ضمن سياق “رؤية 2030″، كجزء من سعيها للانفتاح الاقتصادي والتكنولوجي والأمني. غير أن هذا الانفتاح لا يمكن فصله عن حسابات واشنطن وتل أبيب. فالرؤية التي يُسوّق لها ولي العهد محمد بن سلمان تقوم على شراكات استراتيجية مع القوى الغربية والإسرائيلية، خصوصاً في مجالات الأمن السيبراني، والتكنولوجيا المالية، والطاقة، وهو ما يجعل التطبيع أداة للهيمنة الإسرائيلية الاقتصادية والتكنولوجية أكثر منه شراكة متكافئة.

الأخطر أن التطبيع يُقدَّم بوصفه شرطاً للاندماج في ما يُعرف بـ”الممر الاقتصادي الهندي – الخليجي – الأوروبي”، وهو مشروع يستهدف الالتفاف على الممرات التجارية التي تسيطر عليها إيران واليمن، ما يفسّر العداء السعودي الشديد لليمن، ومحاولاتها المتكررة لإخضاعه أو تحييده، خصوصاً بعد العملية اليمنية لدعم غزة التي كشفت عن قوة جديدة تهدد المصالح الإسرائيلية في البحر الأحمر.

يرى التقرير الإسرائيلي أن أحد دوافع الرياض للتقارب مع تل أبيب هو “التحالف الدفاعي” ضد إيران ووكلائها، بمن فيهم الحوثيون. هذا التوصيف يفضح التقاء المصالح السعودية الإسرائيلية في الميدان الأمني، إذ أصبحت حركة أنصار الله في اليمن تُصنّف ضمن “التهديدات المشتركة” بين الطرفين، وهو ما يفسر التحركات السعودية العدائية تجاه اليمن في إطار “التنسيق الأمني غير المعلن” مع الكيان.

وفي المقابل، يعترف التقرير بأن السعودية قدّمت دعماً مباشراً لإسرائيل خلال المواجهة مع إيران في يونيو، حين اعترضت مروحياتها طائرات مسيّرة إيرانية متجهة إلى الأراضي الإسرائيلية. هذا الموقف لا يعبّر فقط عن “انحياز سياسي”، بل عن اصطفاف عسكري فعلي مع الكيان الصهيوني، في وقت يتعرّض الشعب الفلسطيني للإبادة في غزة.

لم تعد السعودية تتحدث عن “المبادرة العربية للسلام” أو عن “الحقوق الفلسطينية”، بل تحاول استخدام القضية كورقة تفاوض مع واشنطن وتل أبيب لانتزاع مكاسب اقتصادية وأمنية. وفي حين تُظهر الرياض خطاباً متشدداً إعلامياً تجاه إسرائيل أثناء الحرب، فإن القنوات السرية للتواصل والتنسيق لم تتوقف، كما يؤكد التقرير نفسه.

هذا التحول يُعتبر طعنة جديدة في ظهر الشعب الفلسطيني، الذي بات يرى في التطبيع العربي، وعلى رأسه السعودي، خيانة صريحة لدماء الشهداء ومحاولات لتصفية القضية تحت عنوان “التنمية والاستقرار”. بل إن الحديث عن “برامج نزع التطرف الفلسطيني” في الأراضي الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي يعكس رغبة سعودية إماراتية في إعادة تشكيل الوعي الفلسطيني بما يتناسب مع المصالح الإسرائيلية والأمريكية.

يرى التقرير الإسرائيلي أن السعودية تسعى لحماية نفسها من “التهديد الحوثي”، لكن ما يغفله الخطاب الإسرائيلي هو أن اليمن بات أحد أهم محاور دعم المقاومة في غزة، عبر عملياته في البحر الأحمر واستهدافه السفن المرتبطة بإسرائيل. هذا ما يفسّر تصاعد الخطاب العدائي السعودي ضد صنعاء، ومحاولات توريطها في اتفاقيات أمنية إقليمية تضعف محور المقاومة وتخدم المصالح الأمريكية الإسرائيلية.

بمعنى آخر، فإن أي تطبيع سعودي مع إسرائيل لا يمكن فصله عن الحرب المستمرة على اليمن، ولا عن المشروع الأمريكي لإعادة رسم خريطة المنطقة بما يضمن أمن إسرائيل واستمرار الهيمنة الغربية على الممرات المائية والطاقة.

ما يجري ليس مجرد تقارب سياسي بين الرياض وتل أبيب، بل تحول استراتيجي في هوية السعودية ودورها الإقليمي. فبدلاً من قيادة العالم الإسلامي في مواجهة الاحتلال، تتحول المملكة إلى شريك أمني واقتصادي لإسرائيل في مواجهة قوى المقاومة من فلسطين إلى اليمن، من أجل إعادة إنتاج التبعية، وشرعنة العدوان على الشعوب العربية والإسلامية.

 

YNP

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com