“تقرير خاص“| حضرموت على خط النار: تموضع أمريكي–بريطاني يهدّد مستقبل اليمن ويُعيد رسم خرائط النفوذ في الشرق..!

7٬996

أبين اليوم – خاص 

لم تعد محافظة حضرموت شرق اليمن مجرد رقعة جغرافية ضمن الدولة اليمنية، بل تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى محور استراتيجي إقليمي ودولي، حيث تتقاطع مصالح القوى الكبرى وتتجلى فيها نزاعات النفوذ بين التحالف الخليجي وأطراف دولية كبرى، على رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا.

هذه المحافظة، بما تحتويه من ثروات نفطية وغازية هائلة، وبموقعها الحاسم على الممرات البحرية الحيوية الممتدة من بحر العرب إلى باب المندب، أصبحت ساحة مفتوحة لإعادة ترتيب الخرائط الجيوسياسية والتوازنات الاقتصادية في المنطقة.

تسعى واشنطن ولندن، كلٌّ وفق استراتيجيتها الخاصة، إلى تحويل حضرموت إلى قاعدة نفوذ ومركز مراقبة يضمن لهما السيطرة على الموارد والممرات الملاحية، ويمنحهما أوراق ضغط سياسية وعسكرية على القوى الإقليمية المنافسة، وفي مقدمتها إيران، وكذلك لضمان إخضاع أدوات التحالف المحلي للخطط الدولية.

هذه التدخلات لم تعد مجرد دعم لجهود مكافحة الإرهاب، بل صارت جزءاً من مشروع طويل الأمد لإعادة رسم قواعد النفوذ في شرق اليمن، بما يضع البلاد تحت مراقبة دولية شبه كاملة، ويجعل أي تسوية سياسية مستقبلية رهينة بالمصالح الخارجية المتقاطعة على أرض حضرموت.

في هذا الإطار، لا يمكن فهم أي تطور عسكري أو سياسي في حضرموت بمعزل عن هذا الصراع متعدد المستويات، حيث تتداخل فيه المصالح الاقتصادية، والموقع الجغرافي، والأجندات الأمنية، بما يجعل المحافظة حجر الزاوية لأي معركة قادمة على اليمن والبحر الأحمر والمحيط الهندي.

أهمية حضرموت في نظر واشنطن ولندن:

تُعدّ محافظة حضرموت شرق اليمن مركزاً محورياً في قلب الصراع الدولي والإقليمي المتصاعد، حيث تحوّلت خلال السنوات الأخيرة إلى ساحة مفتوحة للتواجد العسكري والسياسي الأمريكي والبريطاني. هذا الحضور الذي جاء تحت لافتة “مكافحة الإرهاب” انكشف تدريجياً باعتباره جزءاً من مشروع أكبر يتجاوز التنظيمات المسلحة، ليمتد نحو الجغرافيا والثروة والممرات البحرية الاستراتيجية.

فمع اتساع رقعة انتشار القوات الأمريكية في مناطق لا تمثل بيئة نشاط فعلي لتنظيم “القاعدة”، برزت المؤشرات على أهداف اقتصادية مباشرة، خصوصاً أن حضرموت تمتلك أكبر الاحتياطيات النفطية والغازية في اليمن.

وتمركز القوات الأمريكية في وادي حضرموت يمنح واشنطن سيطرة حيوية على العصب الاقتصادي للمحافظة، في وقت تعمل فيه على تحويل مطار الريان إلى قاعدة عسكرية مغلقة ورادار مراقبة لحركة الملاحة في بحر العرب.

وتبدو أهمية حضرموت مضاعفة في نظر واشنطن ولندن، كونها تشرف على شريان بحري يربط بحر العرب بباب المندب، وهو ما يسمح لهما بالتحكم بحركة التجارة العالمية وتأمين مصالحهما في مواجهة التحولات الإقليمية. ومع اشتداد التنافس السعودي–الإماراتي داخل المحافظة، تتقدم الولايات المتحدة لتتولى دور “المدير” الفعلي للصراع ومنعه من الانفلات، بما يضمن استمرار نفوذها في المنطقة.

وقد حظيت سيطرة الفصائل الموالية للإمارات على مناطق شرق اليمن بثناء لافت من الجانب الإسرائيلي، إذ اعتبر الخبير الصهيوني آفي أفيدان أن توسع تلك الفصائل “جزء من استراتيجية كماشة صنعتها الإمارات بالشراكة مع إسرائيل”، مشيداً بالسيطرة السريعة على سيئون وما تحمله من وضع احتياطات النفط اليمني تحت يد التحالف الجنوبي المدعوم إماراتياً. وأشار إلى أن هذه السيطرة تهدف إلى تأمين الموانئ وطرق التجارة المؤثرة على 30% من الشحن العالمي.

وفي ظل هذا المشهد، يصف سياسيون التحركات الأمريكية والبريطانية في حضرموت بأنها امتداد لمشروع جديد يتجاوز حدود “الدعم اللوجستي”، ليصل إلى إعادة هيكلة القوات المحلية عبر تشكيل وحدات جديدة تحت الإشراف المباشر لقيادة الأسطول الخامس، عُرفت باسم “قوات حماية السواحل”.

وكشف السفير الأمريكي ستيفن فاجن خلال زيارته لسيئون في أغسطس 2023 عن برامج تدريبية واسعة للجنود اليمنيين في الولايات المتحدة، بالتوازي مع جهود لتجنيد عناصر جديدة داخل اليمن.

كما شهدت المحافظة أنشطة علنية للقوات الأمريكية، بينها ظهور وحدات من المارينز داخل مدارس ثانوية في مدينة الغرفة بسيئون، في خطوة تستهدف استقطاب طلاب يمنيين لبرامج تدريب عسكرية.

وبالتوازي، توسّع التواجد البريطاني في شبوة ومأرب والمهرة، حيث وصلت تعزيزات عسكرية سرية وانتشرت وحدات بريطانية قرب المناطق النفطية، في حين كثّفت القوات الأمريكية حضورها العلني في المهرة، ونفّذت عمليات ميدانية تمخض عنها سقوط قتلى وجرحى من الصيادين المحليين.

وتعكس هذه الأنشطة مجتمعة انتقال الدور الأمريكي–البريطاني من العمل عبر أدوات محلية إلى مباشرة إدارة المشهد، وهو ما ساهم في عرقلة مسار السلام وإعادة خلط الأوراق في شرق اليمن. تصريحات محافظ حضرموت السابق مبخوت بن ماضي حول “شراكة اقتصادية” مع الأمريكيين، وكذلك تمديد الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن لحالة الطوارئ الخاصة باليمن، كلها مؤشرات تؤكد أن واشنطن تنظر إلى حضرموت من زاوية استراتيجية تشمل الطاقة والممرات البحرية والضغط الجيوسياسي على إيران.

وخلال شهر أغسطس 2023 وحده، سجّلت المنطقة سلسلة من الأنشطة العسكرية والدبلوماسية الأمريكية والبريطانية، بدءاً من زيارات الملحق العسكري البريطاني إلى مأرب، مروراً بانتشار وحدات بريطانية في غيل باوزير، ووصولاً لتعزيزات بريطانية في مطار الغيضة، وتحركات أمريكية مكثفة في سيئون وتريم والمهرة، بما في ذلك ظهور قوات مارينز علني داخل التجمعات السكانية.

وعليه يمكن القول:

تدلّ كل هذه التحركات على أن حضرموت لم تعد مجرد محافظة يمنية تعاني من فراغ السلطة، بل غدت محوراً لسباق دولي يُعاد عبره رسم خارطة النفوذ في جنوب الجزيرة العربية.

فالتواجد الأمريكي–البريطاني لم يعد مرتبطاً بتبريرات “مكافحة الإرهاب”، بل صار جزءاً من مشروع متكامل للسيطرة على النفط والمواطئ والممرات المائية، والتأثير على مستقبل الحل السياسي في اليمن.

ومع اشتداد التنافس السعودي–الإماراتي وتحول حضرموت إلى ساحة صراع بالوكالة، تبرز القوى الأجنبية باعتبارها المستفيد الأكبر وصاحبة اليد العليا في إدارة التوازنات.

هذا المشهد يضع اليمن أمام مرحلة جديدة أكثر تعقيداً، تُختزل فيها السيادة تحت أقدام القواعد الأجنبية، بينما تتحول المحافظات الشرقية إلى حجر زاوية في معادلات الأمن الدولي بدلاً من أن تكون جزءاً مستقلاً من جغرافيا اليمن السعيد.

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com