“تقرير“| حالياً في السعودية: تنس السيدات.. فصل جديد من “التبييض الرياضي”.. بريق الأزياء يُخفي ظلال السياسة..!

7٬872

أبين اليوم – تقارير 

تقرير/ عبده بغيل:

في مشهد يجمع بين البريق والإثارة السياسية، تحاول رابطة محترفات التنس (WTA) أن تبيع رياضتها النسائية داخل واحدة من أكثر البيئات الاجتماعية تقييدًا للنساء – المملكة العربية السعودية – عبر حملة أزياء فاخرة تُخفي وراءها مشروعًا سياسيًا ضخمًا لتلميع الصورة.

ففي الوقت الذي بدأت فيه المملكة منذ سنوات قليلة فقط بالسماح للنساء بدخول الملاعب، تتجه أنظار العالم اليوم إلى الرياض، حيث تستضيف نهائيات التنس للسيدات وسط أجواء من الدعاية المصقولة بعناية، لا بروح المنافسة الرياضية، بل بلمعان الأقمشة والعدسات.

قبل انطلاق البطولة، جمعت الرابطة أبرز نجمات اللعبة – كإيغا شفياتيك، أرينا سابالينكا، وكوكو غوف – لجلسة تصوير في منتجع “باب السعد” بالدرعية. ارتدت اللاعبات فساتين من دور أزياء عالمية وأخرى من تصميم محلي سعودي، في مشهد بدا أقرب إلى عرض أزياء منه إلى احتفاء برياضة. العدسة التي التقطت المشهد لم تكن بريئة؛ فقد أرادت رابطة محترفات التنس أن تُظهر “المرأة الحرة” في بلدٍ لا تزال حريتها خاضعة للوصاية.

وراء هذه الحملة البراقة، يقف صندوق الاستثمارات العامة السعودي الذي ضخ أكثر من مليار دولار في التنس ضمن مشروع “التبييض الرياضي” الذي طال كرة القدم والجولف والفنون. وتحوّلت بطولة السيدات إلى جزء من هذا المشهد التسويقي الموجّه لتغيير الانطباع العالمي عن المملكة أكثر مما هو موجه لتطوير الرياضة نفسها.

تقول كايتلين تومسون، مؤسسة شركة “راكيت” الإعلامية المتخصصة بالتنس: “رابطة محترفات التنس تدرك أن الرياض مكان يصعب ترويجه، لذا تبيع البطولة كمنتج أسلوب حياة، لا كحدث رياضي.”

لكن منتقدون يرون أن هذه المقاربة ليست سوى استخدام للمرأة كواجهة تجميلية لسلطة تسعى لتبييض سجلها الحقوقي. فبينما تُقدَّم الصور في الخارج كرمز للانفتاح، لا تزال المشاركة النسائية في الداخل محصورة في إطار ضيق ومراقَب.

حتى داخل الأوساط الرياضية، يتصاعد الجدل. سارة سوانسون، مديرة العلامة التجارية في WTA Ventures، تبرر التعاون مع الرياض بأنه “تمكين للمرأة من خلال التنس”، إلا أن هذا “التمكين” يبدو أقرب إلى شعار تسويقي منه إلى التزام فعلي. فالجمهور المحلي ما زال غائبًا عن المدرجات، واللاعبات أنفسهن يتحركن ضمن قيود دبلوماسية ناعمة تفرضها عقود الرعاية وشروط الضيافة.

الصور التي التقطتها يمنى الأراشي – وهي مصورة معروفة بتفكيكها لصورة المرأة المسلمة – عُرضت كدليل على “تغييرٍ ثقافي”، لكنها في الواقع تعكس التناقض الحاد بين الواقع الاجتماعي والخطاب التسويقي: نساء بفساتين إيطالية في بلدٍ ما زالت الكثير من نسائه يُحاكمن بسبب آرائهن أو ملابسهن.

هذه هي السنة الثانية التي تُقام فيها النهائيات في السعودية، ضمن اتفاقية تمتد لثلاث سنوات، بعد أن تنقلت البطولة سابقًا بين مدن مثل شنتشن وفورت وورث وكانكون. ومن الواضح أن الرياض تحاول عبر هذه الشراكة أن تشتري شرعية ثقافية جديدة باستخدام رموز التقدم الغربي — الموضة، الترفيه، الرياضة النسائية — بينما تبقى الأسئلة الجوهرية عن الحرية والحقوق والمشاركة المجتمعية بلا إجابة.

وكما تقول الخبيرة التسويقية تاش ووكر: “التنس النسائي لا ينبغي أن يتحول إلى نسخة أنيقة من مشروع العلاقات العامة الذكوري. حين تفقد الرياضة صدقها، تفقد معناها.”

سياسة التبييض الرياضي: تلميع الداخل بواجهة عالمية:

ما يحدث في بطولة تنس السيدات ليس سوى فصل جديد من استراتيجية التبييض الرياضي التي تتبعها السعودية منذ أعوام، عبر ضخ مليارات الدولارات في استضافة أحداث كبرى لكرة القدم، الفورمولا 1، والملاكمة، ثم الآن التنس.

الغاية ليست تطوير الرياضة بقدر ما هي إعادة تشكيل السردية السياسية والإعلامية حول “المملكة الجديدة” — من بلد محافظ إلى “وجه عالمي حديث”، من دون أن تمس التغييرات الجوهرية منظومة الحقوق والحريات.

هكذا تتحوّل الملاعب إلى مسارح رمزية لترويج سردية الانفتاح، بينما تُستبعد الأصوات المنتقدة ويُعاد تعريف “تمكين المرأة” وفق منظور تسويقي لا اجتماعي.

ففي نهاية المطاف، لا تُقاس حرية المرأة بفساتين المصممات العالميات، بل بقدرتها على الاختيار والتعبير والمشاركة الحقيقية — وهي قيم لا تزال خارج حدود الصورة التي تُرسم بعدسات العلاقات العامة.

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com