“تقرير“| في تطور قضائي يقلب الموازين.. القضاء الأمريكي يضع مستقبل “حرب ترامب التجارية” على المحك..!

6٬880

أبين اليوم – تقارير 

في تطور قضائي يقلب الموازين، تواجه سياسة الرسوم الجمركية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحدياً حاسماً أمام المحكمة العليا. بعد أن قضت محكمة استئناف بأن معظم هذه الرسوم “غير قانونية”، أصبح مستقبل “حرب ترامب التجارية” على المحك..

ترامب، الذي بنى جزءاً كبيراً من سياسته الاقتصادية على هذه الرسوم، حذر من أن خسارة هذه القضية ستؤدي إلى “معاناة كبيرة” للولايات المتحدة، بل وألمح إلى إمكانية إلغاء الاتفاقيات التجارية القائمة مع الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية ودول أخرى.

ومع اقتراب الموعد النهائي للاستئناف، طالبت إدارة ترامب المحكمة العليا بالنظر في الطعن بشكل “عاجل” قبل 10 سبتمبر، في محاولة للحفاظ على أداة رئيسية في سياسته الاقتصادية.

لكن خبراء في التجارة والاقتصاد يحذرون من أن هذه الرسوم لا تضر بالشركات الأجنبية فقط، بل يتحمل المستوردون والمستهلكون الأمريكيون عبئها الحقيقي، مما قد يؤدي إلى زيادة التضخم.. فهل ستنجح إدارة ترامب في إقناع المحكمة العليا، أم أن الحكم القضائي سيكون بمثابة المسمار الأخير في نعش حرب تجارية كلفت الاقتصاد الأمريكي الكثير؟

انهيارات في البورصات وخسائر بالمليارديرات:

في خطوة مفاجئة وصفت بأنها إعلان حرب اقتصادية شاملة، أشعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومنذ الوهلة الأولى لدخوله البيت الأبيض لولاية ثانية في يناير الماضي، شرارة الانهيار العالمي بإعلانه فرض رسوم جمركية ضخمة على عشرات الدول. وفيما سماه هو بـ “يوم التحرير”، وصفه العالم بـ “يوم الكارثة الاقتصادية”.

كانت النتيجة انهياراً مدوياً في البورصات، تبخر تريليونات الدولارات من السوق الأمريكي، ونزف أثرياء العالم مليارات الدولارات في ساعات. فماذا يحدث في اقتصاد العالم؟ هل حرر ترامب أمريكا أم قادها نحو هاوية اقتصادية غير مسبوقة؟ ومن يدفع الثمن الحقيقي لقرارات ترامب المفاجئة؟

حالة من الاضطراب والتوتر سادت العالم في أعقاب إعلان الرئيس الأمريكي عن رسوم جمركية هائلة، مما أدى إلى تصاعد الحرب التجارية بعد إعلان الصين عن رسوم مضادة. لم يقتصر التأثير على الجانب السياسي فحسب، بل امتد ليضرب قلب الأسواق المالية.

خسرت الشركات الأمريكية تريليونات الدولارات من قيمتها، حيث عانت كل القطاعات تقريباً من خسائر كبرى. وأغلقت الأسواق المالية الأمريكية على أكبر انخفاض لها منذ جائحة كورونا، مع تراجع مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” بنسبة 4.8%. وبسبب هذا الانخفاض، اختفت أكثر من 2 تريليون دولار من القيمة السوقية للشركات.

وتخلص المستثمرون من أسهم الشركات التي توقعوا أنها ستعاني أكثر، مما يشبه “ضريبة الأعمال”. وهذه الضريبة ستنتقل في النهاية إلى المستهلكين، وإذا قلصوا إنفاقهم بسبب ارتفاع الأسعار، فقد يتعثر النمو الاقتصادي أو حتى ينكمش. يذكر أن إنفاق المستهلكين يشكل حوالي 70% من النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة.

لم يسلم حتى أثرياء أمريكا من هذه الخسائر، حيث خسر أغنى 500 شخص في العالم ما يقرب من 208 مليار دولار. وكان مارك زوكربيرج الخاسر الأكبر، حيث تراجع سهم شركة “ميتا” بنسبة 9%، مما أدى إلى خسارته 17.9 مليار دولار. كما تراجعت أسهم شركة “أمازون” بنسبة 9%، مما كلف جيف بيزوس 15.9 مليار دولار من ثروته. أما إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم، فقد خسر وحده 11 مليار دولار في يوم واحد.

– “أمريكا أولاً” أم المواجهة الشاملة؟:

منذ لحظة دخوله البيت الأبيض، أعلن دونالد ترامب أن الاقتصاد سيكون سلاحه السياسي المفضل، وأن رسالته واضحة: “أمريكا أولاً”. ومع ذلك، لم يقتصر تطبيق هذا الشعار على خصوم واشنطن كالصين وروسيا، بل امتد ليشمل أقرب حلفائها أيضاً. عند عودته للسلطة في عام 2025، قفز المعدل الفعلي للرسوم الجمركية إلى مستويات تاريخية تراوحت بين 17% و19%، واقترب من حاجز الـ20% لأول مرة منذ سبعينيات القرن الماضي.

لم تفرض هذه الرسوم على سلع الخصوم فقط، بل شملت أيضاً مجموعة واسعة من الواردات العالمية، من الرقائق الإلكترونية (التي وصلت رسومها إلى 100%) إلى السلع الهندية (التي ارتفعت تعريفاتها إلى 50%). وهكذا، تحول مشهد التجارة العالمية إلى ساحة مواجهة شاملة، وبدأ الداخل الأمريكي يشعر بحرارة هذه المعارك مع تزايد المخاوف من التضخم وتباطؤ النمو.

من يدفع الفاتورة؟

كشف باحثون في بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك أن الشركات الأمريكية المستوردة تنقل القيمة الكاملة للرسوم الجمركية تقريباً إلى أسعار السلع مباشرة. لذلك، يوضح البحث بوضوح أن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب لا يدفعها الصينيون أو الروس أو الهنود، بل يدفعها الأمريكيون أنفسهم.

والنتيجة هي دراسة بعنوان “العودة إلى الحمائية”، والتي قدرت أن الارتفاع في أسعار الواردات بسبب هذه التعريفات قد كلف المستهلكين والمنتجين الأمريكيين حوالي 68.8 مليار دولار، أي ما يعادل 0.37% من حجم الاقتصاد.

وحتى بعد حساب عائدات التعريفات والمكاسب المحدودة لبعض المنتجين المحليين، بلغت الخسارة الصافية للاقتصاد نحو 7.8 مليار دولار. هذا يعني أن مكاسب الحكومة من التعريفات الجمركية لا تغطي ما يخسره الاقتصاد ككل. الأرقام صادمة: حوالي ثلث المصانع ونصف شركات الخدمات رفعت أسعار منتجاتها بنسبة مماثلة للزيادة في الرسوم. هذه السياسة، التي يروج لها ترامب كضربة للصين، تحولت محلياً إلى عبء على كل عائلة أمريكية.

الخاسرون أكثر أم الرابحون؟

بينما تسوّق هذه القرارات على أنها حماية للوظائف في قطاعي الصلب والألمنيوم، تقول الأرقام عكس ذلك تماماً. فقد وفرت التعريفات المرتفعة، في أحسن الأحوال، ما بين 8 و9 آلاف وظيفة في مصانع المعادن، لكنها في المقابل كلفت الاقتصاد خسارة صافية تبلغ 75 ألف وظيفة في الصناعات الأخرى التي تعتمد على المعادن كمدخل للإنتاج، مثل صناعات السيارات والآلات والأجهزة الكهربائية.

هذه القطاعات بدأت تدفع أسعاراً أعلى للمواد الخام، مما دفعها لخفض الإنتاج، وتجميد التوظيف، وحتى تسريح العمال.

كشفت تقديرات مؤسسة الضرائب لهذا العام أن تأثير هذه التعريفات يعادل ضريبة إضافية تقارب 1300 دولار على كل أسرة أمريكية. هذا الرقم وحده كافٍ لكشف الحقيقة: المواطنون لا يحصلون على سلع أفضل أو كميات أكبر، بل يدفعون المزيد للحصول على نفس الشيء الذي كانوا يحصلون عليه من قبل. إنها ضريبة خفية تُخصم مباشرة من جيوبهم دون علمهم، يتم تحصيلها في صمت تحت اسم “حماية الاقتصاد”.

خلاصة القول، الرسوم الجمركية لا تبقى خارج الحدود، بل تعود لتضاف إلى فاتورة الشراء في المتجر الأمريكي. قد تبدو كل خطوة في تصعيد التعريفات انتصاراً اقتصادياً على الورق، لكن على أرض الواقع، تعني انخفاضاً في النمو، وضعفاً في الإنتاجية، وارتفاعاً في تكلفة المعيشة للمواطن العادي. هل تستحق الحماية هذا الثمن؟ أم أن المواطن الأمريكي هو من يدفع الفاتورة الأكبر؟
المصدر: وكالة الصحافة اليمنية

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com