“تقرير“| ما الذي يتكشف من محاولة الاغتيال الدامية في الدوحة..!

6٬895

أبين اليوم – تقارير 

لم يكن مساء الدوحة كعادته، إذ كسرت أصوات الانفجارات صمت العاصمة الخليجية الهادئة، في تطور غير مسبوق يُعدّ أول استهداف جوي مباشر لحركة المقاومة الفلسطينية داخل قطر، الدولة التي تحتضن مساراً تفاوضياً حساساً، فقد شنّ الطيران الحربي “الإسرائيلي”، عصر الثلاثاء، سلسلة غارات مركزة على شقة سكنية يُعتقد أنها تعود لقيادي حركة حماس خليل الحية، ما فتح باب التساؤلات حول أبعاد التصعيد وتداعياته الإقليمية.

12 غارة متتالية مزقت سكون المدينة، وحولت المبنى إلى ركام، وأسفرت عن سقوط شهداء من المرافقين والأصدقاء، بينما نجت القيادات المستهدفة وعلى رأسها خليل الحية وزاهر جبارين.

غير أن أخطر ما كشفته الساعات التي تلت الهجوم، لم يكن عدد الضحايا ولا هوية المستهدفين، بل سلسلة اعترافات وتسريبات من الإعلام العبري ومسؤولين أمريكيين و”إسرائيليين”، أكدت أن العملية نُفذت بعلم مسبق من واشنطن، بل وبتواطؤ ضمني من قطر، التي لم تُفعّل دفاعاتها الجوية في تلك الليلة، في مشهد يثير تساؤلات عميقة حول خفايا ما جرى.

خلف هذا المشهد الدموي يبرز هذا التحليل سؤال خطير: هل كانت واشنطن والدوحة على علم مسبق بالعملية، ولماذا فشل الاحتلال الإسرائيلي في تحقيق هدفه رغم الدعم الأمريكي الواضح؟

– تفاصيل الضربة: من هم المستهدفون؟:

وفق الإعلام العبري، فإن العملية استهدفت اجتماعًا قياديًا ضم شخصيات بارزة من المكتب السياسي لحركة حماس، من بينهم خليل الحية وزاهر جبارين وخالد مشعل واسامه حمدان، إلى جانب بقية أعضاء وفد التفاوض الذي كان يناقش آخر المقترحات الأمريكية بشأن وقف إطلاق النار وعقد صفقة تبادل للأسرى.

الإعلام العبري تحدث عن محاولة اغتيال مركزة، استُخدم فيها سلاح الجو بكثافة غير مسبوقة، حيث شنت 15 من الطائرات الحربية 12 غارة دقيقة على مبنى خليل الحية السكني ومبنى مجاور كان يضم وفد حماس وكبار قادته وسط العاصمة القطرية.

ورغم ضخامة العملية، فقد فشلت في تصفية القيادات المستهدفة، وأسفرت فقط عن استشهاد خمسة من أقارب خليل الحية، بينهم همام الحية نجل القيادي خليل الحية، ومدير مكتبه جهاد لبد “أبو بلال”.

هذا الفشل اعتبره المراقبون صفعة مدوية للاستخبارات “الإسرائيلية”، لكنه في الوقت نفسه كشف سقفًا جديدًا للتصعيد، إذ انتقلت الاعتداءات الجوية “الإسرائيلية” خلال الـ 24 الساعة الماضية من غزة وبيروت ودمشق وتونس، إلى الدوحة التي كانت حتى الأمس القريب ساحة للوساطة وليست ميدانًا للدماء.

واشنطن والدوحة في قلب الرواية:

الشق الأخطر في القصة، هو ما كشفته القنوات العبرية عن علم الولايات المتحدة المسبق بالعملية.

قناة “كان” العبرية نقلت عن مسؤول رفيع أن “إسرائيل أبلغت واشنطن بالهجوم قبل تنفيذه، وحصلت على دعم سياسي كامل”.

القناة 12 أضافت أن الرئيس الأمريكي ترامب شخصيًا أعطى الضوء الأخضر، معتبرًا أن العملية تخدم “المقترح الأمريكي” الأخير.

الأخطر من ذلك ما بثته هيئة البث العبرية، التي أشارت إلى أن قطر نفسها أُخطرت بالعملية بعد تلقي واشنطن المعلومات من الاحتلال الإسرائيلي.

الغريب أن الدفاعات الجوية القطرية لم تتحرك على عكس ما حدث عندما أطلقت إيران صواريخها تجاه القواعد الأمريكية قبل أشهر، وهو ما يثير تساؤلات عن صمت قطري قد يُقرأ كنوع من التساهل أو التغاضي.

هذه الشهادات، المتقاطعة من أكثر من مصدر، تكشف أن العملية لم تكن قرارًا “إسرائيليًا” منفردًا، بل جرى إعدادها ضمن مظلة تنسيق أمريكي – “إسرائيلي” محكمة، وهو ما يفسر الصمت المطبق في البيت الأبيض عقب الانفجار، واكتفائه ببيان مقتضب يتحدث عن “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.

قطر بين الصمت والصدمة:

أما قطر، التي وجدت نفسها فجأة في قلب الزلزال، فقد أثارت ردود فعلها علامات استفهام أكبر.

الإعلام العبري سارع إلى التلميح بأن “الدفاعات الجوية القطرية لم تعمل صدفةً تلك الليلة”، في مقارنة مباشرة مع حادثة إطلاق النار الإيراني على القواعد الأمريكية في المنطقة، حيث تم تشغيل منظومات الدفاع بشكل فوري.

هذا الصمت القطري، وعدم صدور أي بيان رسمي قوي يضمن حق الرد على انتهاك سيادة الدوحة، فُسر من بعض المحللين بأنه تواطؤ صامت، أو على الأقل علم مسبق لم يُترجم إلى إجراءات ردع.

فكيف لدولة تُعد واحدة من أكثر دول الخليج تحصينًا عسكريًا، وتستضيف أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة، ألا تلتقط راداراتها سرب الطائرات “الإسرائيلية” وهي تعبر سماء الخليج؟

وسائل إعلام عبرية ذهبت أبعد من ذلك حين تساءلت: “هل أصبحت قطر الجبهة الثامنة في الحرب؟”، في إشارة إلى احتمال تغير موقعها من وسيط إلى ساحة صراع.

– ما وراء العدوان الإسرائيلي؟:

بحسب موقع “حدشوت للوتسنزورا” العبري، استخدم الاحتلال عرضاً أميركياً مزيفاً للتفاوض قدمه الرئيس الأمريكي ترامب بهدف جمع كبار قادة حماس من تركيا ولبنان كفخ لاستدراج أكبر عدد من قادة حماس إلى الاجتماع، الهدف كان القضاء على الصف الأول من الحركة في لحظة واحدة.

إلا أن العملية تحولت إلى فشل استخباراتي ذريع: القادة الرئيسيون غادروا المبنى قبل دقائق من الضربة، فيما تكبدت حماس خسائر محدودة مقارنة بما كان يخطط له الاحتلال.

عضو المكتب السياسي للحركة سهيل الهندي أكد أن “الوفد المفاوض استلم المقترح الأميركي لدراسته يوم أمس، وبينما كنا نجتمع حوله جاء القصف”، معتبراً أن ما جرى “محاولة اغتيال جبانة بتنسيق أميركي إسرائيلي مباشر”.

دوافع الاحتلال الإسرائيلي:

هيئة البث العبرية نقلت أن الهجوم كان بمثابة إغلاق لملف التفاوض نهائيًا، في رسالة واضحة من “حكومة نتنياهو” بأن لا مجال للتسويات السياسية مع حماس.

كما كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن “عملية تصفية قادة حماس في قطر كانت جاهزة منذ عام”، لكنها وُضعت على الرف حتى تهيأت الظروف الإقليمية والدولية.

اللافت أن العملية جاءت بعد يوم واحد فقط من تسلم حماس مقترحًا أمريكيًا جديدًا للتهدئة، وهو ما أكد عضو المكتب السياسي سهيل الهندي أن الاجتماع المستهدف كان مخصصًا لدراسة ذلك المقترح، بكلمات أخرى: أرسلت واشنطن مبادرة سياسية بيد، وغطت على محاولة اغتيال باليد الأخرى.

فشل العملية:

رغم الدمار الكبير وسقوط 5 شهداء بينهم همام نجل القيادي خليل الحية ومدير مكتبه جهاد لبد، إلا أن الهدف المركزي – اغتيال قيادة حماس – لم يتحقق.

“نتنياهو” نفسه اعترف بالإخفاق، حين قال في مؤتمر مقتضب: “كانت هناك فرصة عملياتية للقضاء على قادة حماس بالتنسيق بين الجيش والشاباك”، لكنه لم يعلن نجاحها.

قناة “كان” العبرية أكدت أن “إسرائيل تنتظر نتائج الهجوم”، في إشارة إلى غياب أي تأكيد رسمي عن مقتل قادة الصف الأول.

النتيجة: الاحتلال الإسرائيلي قدم عرضاً نارياً دامياً، لكنه لم يحقق سوى خسائر جانبية تزيد من رمزية قادة حماس وتعزز سردية الحركة عن الصمود.

رسائل إلى الداخل “الإسرائيلي”:

داخلياً، تعكس العملية أيضاً مأزق حكومة “نتنياهو”، فقد نقلت “يديعوت أحرونوت” أن عملية تصفية قادة حماس في قطر كانت جاهزة منذ عام، لكن تنفيذها الآن جاء كرد على الجمود في ملف الأسرى والضغط الشعبي.

وفي المقابل، والدة أحد الأسرى “الإسرائيليين” عبّرت بمرارة: “يبدو أن نتنياهو قضى على ابني وحسم مصيره”، في إشارة إلى أن العملية قد تُفشل أي صفقة تبادل قادمة وتغلق الأبواب أمام عودة الأسرى.

ما بعد الدوحة:

لم تقتصر تداعيات العملية على الساحة الفلسطينية، بل فتحت أبواب التكهنات حول موجة اغتيالات عابرة للحدود في الدوحة وأنقرة وإسطنبول، فلإعلام العبري لمح إلى أن أنقرة قد تكون الهدف التالي.

الهيئات الدبلوماسية للاحتلال وقواعد أمريكية في الشرق الأوسط رفعت حالة التأهب إلى الدرجة الخامسة تحسبًا لردود من إيران واليمن وحزب الله.

عائلات الأسرى “الإسرائيليين” أعربت عن خشيتها من أن “يكون نتنياهو قد قضى على فرص استعادة أبنائهم”. بهذا، لم يعد الأمر مجرد عملية اغتيال فاشلة، بل زلزال سياسي وأمني مرشح لأن يغير قواعد اللعبة في المنطقة.

لكن في المقابل، أطلقت العملية رسائل سلبية خطيرة: فهي خرق واضح للسيادة القطرية وامتهان للأمن الخليجي، وتأكيد أن “إسرائيل” لم تعد تعترف بأي خطوط حمراء، حتى لو تعلق الأمر بعاصمة عربية موالية لواشنطن وفيها تقع أكبر القواعد الأميركية.

علاوة على ذلك، يمثل الهجوم إحراجًا مباشرًا للولايات المتحدة التي تظهر كطرف متواطئ في اغتيالات سياسية خارج إطار القانون الدولي.

من المستفيد؟:

سعى الاحتلال لتوجيه ضربة قاصمة لقيادة حماس في الخارج، ولإيصال رسالة بأنه لا يعترف بخطوط حمراء جغرافية، لكنه فشل في تحقيق الهدف المباشر، وكشف عن مأزق استراتيجي جديد.

أما الولايات المتحدة، فقد أرادت خلط الأوراق، عبر إرسال مبادرة سلام شكلية بالتوازي مع تغطية العملية، الهدف الأعمق ربما كان إرباك حماس ودفعها لرفض أي مسار تفاوضي.
لكن قطر خسرت كثيرًا من رصيدها كوسيط شجاع، وأصبحت متهمة بالتقصير حد، وهذا يضعها أمام اختبار صعب إقليميًا ودوليًا.

أزمة المصداقية الدولية:

منذ لحظة الهجوم، حمّلت حماس واشنطن مسؤولية مباشرة، معتبرة أن الإدارة الأميركية كانت على علم بالعملية وأعطت غطاءً سياسياً لتنفيذها.

السؤال المطروح: كيف يمكن لواشنطن أن تدّعي رعاية عملية تفاوضية، بينما تتيح في الوقت نفسه تصفية المفاوضين أنفسهم؟

هذا التناقض يضعف الثقة بأي وساطة أميركية مستقبلية، ويجعل المفاوضات في حكم المنهارة، خصوصاً بعد إعلان هيئة البث العبرية أن “إسرائيل أغلقت ملف التفاوض نهائياً بهجومها في الدوحة”.

فشل الاغتيال يفتح أسئلة أكبر:

ما حدث في الدوحة لم يكن مجرد ضربة عسكرية عابرة، بل زلزال سياسي وأمني يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الصراع، الاحتلال الإسرائيلي حاول اغتيال قيادة حماس في قلب عاصمة عربية، بدعم أمريكي وصمت قطري، لكنه أخفق في تحقيق هدفه.

والنتيجة أن الغارات لم تُنهِ الحركة، بل عمّقت رمزيتها وأحرجت خصومها إقليمياً ودولياً.
تكشف هذه العملية عن وجه جديد للحرب المفتوحة على الشعب الفلسطيني وقياداته، حيث لم تعد ساحات الاستهداف محصورة في غزة أو دمشق أو بيروت، بل امتدت إلى عاصمة خليجية تحتضن واحدة من أكبر القواعد الأمريكية.

وبقدر ما أظهرت العملية فشلًا عسكريًا “إسرائيليًا” في تحقيق أهدافها المباشرة، فإنها كشفت في المقابل عن شراكة سياسية – أمنية بين واشنطن والاحتلال الإسرائيلي، وعن صمت قطري يثير أكثر من علامة استفهام.

الأسئلة الآن تتجاوز قطر إلى المنطقة كلها: هل نشهد انتقال المعركة من غزة والضفة إلى العواصم العربية؟ وهل تستطيع واشنطن بعد هذا التورط أن تدّعي لعب دور الوسيط؟

الإجابة المباشرة أن فشل عملية الاغتيال في الدوحة قد يكون بداية فصل أشد خطورة في الحرب المفتوحة على حماس وحلفائها، فصل يُعيد خلط الأوراق ويهدد بارتدادات لا تقف عند حدود الخليج، بل تصل إلى قلب “إسرائيل” نفسها.

يبقى السؤال الأهم: هل كانت الدوحة مجرد ضحية في هذه العملية، أم أنها أدت دور “الشاهد الصامت” الذي سمح بمرور الطائرات إلى قلب سمائها؟

في كل الأحوال، فإن محاولة اغتيال الدوحة لن يظل حدثًا عابرًا، بل سيكون محطة مفصلية في رسم خريطة الصراع المقبلة، وربما فاتحة لفصل جديد عنوانه: لا جغرافيا آمنة بعد اليوم.

 

المصدر: وكالة الصحافة اليمنية

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com